تترقب
ساحة التغيير بصنعاء وصول "مسيرة الحياة" وهي الأولى من نوعها في اليمن،
ويشارك فيها مئات الشباب والشابات تحركوا راجلين صباح أمس الثلاثاء من
مدينة تعز (256 كلم جنوبي صنعاء)، تعبيراً عن مطالبة المجتمع الدولي بإحالة
الرئيس علي عبد الله صالح وأعوانه لمحكمة الجنايات الدولية، جراء جرائم
القتل والاعتداء التي أودت بحياة نحو 1500 متظاهر سلمياً.
وانطلقت
المسيرة الراجلة من مدينة تعز بعد يوم واحد على تدشين شباب الثورة في
المدينة ذاتها التي صارت رمزاً للثورة الشعبية السلمية في اليمن "الحملة
الشعبية لإيقاف منح الحصانة للرئيس صالح ومعاونيه"، وفق ما نصت عليه
المبادرة الخليجية التي بموجبها صار رئيساً بدون صلاحيات حتى إجراء
انتخابات رئاسية في 21 فبراير المقبل وانتخاب نائبه عبد ربه منصور هادي
رئيساً للجمهورية.
وأستغرب برلمانيون في المعارضة تحدثوا، اليوم الأربعاء 21ديسمبر2011، لـ(إسلام أون لاين)
الحديث في الشارع اليمني والوسائط الاجتماعية عن قرب موعد عقد جلسة لمجلس
النواب لإقرار ضمانات قانونية تمنح لصالح وأعوانه وتمنع محاكمتهم جراء
الجرائم المتهمين بارتكابها ضد المتظاهرين سلمياً منذ اندلاع الاحتجاجات
المطالبة بسقوط نظامه في فبراير الفائت.
وأوضح ناشطون حقوقيون وصحفيون لـ(إسلام أون لاين)
إن شباب الثورة مستمرون في حراكهم ولا يلتفتون للمبادرات أو الحصانات التي
لا يقرها الدستور اليمني ولا الشرع الإسلامي ولا المواثيق الدولية ولا
يملك أحد أن يمنحها لأحد أو يتنازل عنها سوى أولياء دم الشهداء.
إهدار الحقوق
ودعا
بيان صادر عن الحملة الشعبية لمنع منح صالح الحصانة كل "الشرفاء من أبناء
الشعب وكافة المنظمات الحقوقية الإسهام الفاعل وتذليل كل الصعوبات التي قد
تواجه الحملة" وناشد البيان أعضاء مجلس النواب عدم التصويت لأي تشريع قد
يصدر ويترتب عليه "تعطيل شرع الله وإهدار فادح لحقوق عامة وخاصة".
وتعهد
البيان الصادر أمس الثلاثاء "بالوفاء للدماء الزكية التي سفكت وهى تناضل
من اجل ترسيخ مبادئ الثورة الشبابية الشعبية واستعادة وهج ثورتي سبتمبر
وأكتوبر ومبادئها السامية"، مؤكداً السعي لمقاضاة كل من تسبب في سفك تلك
الدماء "حتى تتحقق العدالة ونرى الأيدي الغادرة وراء القضبان".
وتصدرت
الحملة الناشطة وفاء الشيباني شقيقة هاني الذي استشهد في جمعة "لا حصانة
للقتلة" ودعت شباب الثورة في صنعاء إلى الاعتصام بطريقة حضارية وسليمة أمام
مجلس النواب من اجل عرقلة الجلسة المزمع عقدها خلال أسبوع، والتي من
المقرر فيها إصدار قانون يعطى حصانة لصالح وأركان نظام صالح بناء على ما
جاء في المبادرة الخليجية، حسب قولها..وأشارت وفاء إلى أن أي قانون سوف يصدره مجلس النواب يعطى لصالح حصانه سوف يكون بمثابة "مشاركة في الجريمة".
وواصل
شباب الثورة اليمنية مسيراتهم بالعاصمة صنعاء ومختلف المحافظات والمدن
اليمنية وأنشطتهم المشددة على ضرورة محاكمة الرئيس صالح وأعوانه خاصة
أقاربه لارتكابهم جرائم قتل واعتداء ضد المتظاهرين السلميين، وأطلقوا على
جمعتهم الأخيرة "المحاكمة مطلبنا" وواجهوا المبعوث الأممي والسفراء بالمطلب
ذاته خلال لقاءات جمعتهم الأسبوع الماضي بهم في صنعاء وتعز وعدن.
جدل لا أساس له
ويدور
جدل منذ أسبوع مع اقتراب اكتمال 30 يوم على توقيع صالح على المبادرة
الخليجية بالرياض في 23 نوفمبر الماضي، حول القانون الذي نصت عليه المبادرة
وتجاهلته آلياتها التنفيذية ومدى وفاء المعارضة اليمنية بالتزامها بالبند
المتعلق بالتصويت في مجلس النواب لمنح صالح الضمانات القانونية بعد 30
يوماً على توقيعه وضاعف ذلك من حالة الاحتقان ضد المعارضة واتهامها بعدم
الوفاء لدم أكثر من 1500 شهيداً سقطوا بنيران قواته.
ولم
تسلم الوسائط الاجتماعية وأبرزها الفيسبوك من تناول الموضوع وإثارته حد أن
كتب الناشط، محمد المهدي، في صفحة الدكتور محمد السعدي، وزير التخطيط
والتعاون الدولي في الحكومة الحالية والأمين العام المساعد لحزب الإصلاح،
مخاطباً إياه "أخي العزيز كيف ستوافقون على قانون الحصانة للفاسدين، وليس
الفاسدين فحسب، بل القتلة". ..وأضاف
متسائلاً "دعك من المبادرة (الخليجية)، ما هو قول الشرع بذلك؟ وهل الشرع
يجيز ذلك؟ وهل القانون موافق لشرع الله أم مخالف له؟ وهل يجوز السكوت عن
ذلك؟".
لكن
نائب رئيس الكتلة البرلمانية لأكبر أحزاب المعارضة (الإصلاح)، زيد الشامي،
استغرب ما يثار في الشارع اليمني وخاصة بين شباب الثورة وبالوسائط
الاجتماعية بشأن عقد جلسة للبرلمان يتم بموجبها منح صالح وأعوانه الضمانات
القانونية من أي ملاحقة جراء الجرائم المرتكبة ضد المتظاهرين سلمياً.
وقال الشامي لـ(إسلام أون لاين)
إن ذلك الأمر، كان يتعلق بأحد بنود المبادرة الخاص بتقديم صالح استقالته
بعد التوقيع على المبادرة بـ30 يوماً، لكن حدث تغيير للمبادرة الخليجية في
الآليات التنفيذية لها، - بحسب الشامي- والتي منحته مهلة 3 أشهر بعد
التوقيع حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يكون نائبه مرشحاً توافقياً..وأضاف
الشامي " لا أعلم لماذا الناس مشغولين بموضوع لا أساس له، فلم تحدث
الاستقالة من صالح وإنما ستجري انتخابات رئاسية مبكرة بعد 3 أشهر على
توقيعه على المبادرة وآلياتها التنفيذية".
من
جانبه، قال مقرر الائتلاف البرلماني من أجل التغيير، المحامي عبد الرزاق
الهجري، إن الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية لا تتضمن نصاً بشأن ما
يتحدث عنه البعض ويثار في الشارع اليمني.. وأوضح الهجري في حديثه لـ(إسلام أون لاين)
انه "يجري الترتيب الآن لعودة النواب المنضمين للثورة إلى مجلس النواب"
الذي قاطعوه منذ فبراير الماضي وهم نواب من كتل المعارضة وكتلة المؤتمر
الشعبي الحاكم، وأضاف "نجري الترتيبات الآن للعودة إلى المجلس واستئناف
عمله وأول عمل لنا وللمجلس سيكون استقبال برنامج حكومة الوفاق الوطني
ومناقشته وإقراره".
الهجري
المقرر للائتلاف الذي تشكل من نواب المعارضة والمستقلين والنواب المنشقين
عن حزب صالح (المؤتمر الشعبي العام) بعد مجزرة جمعة الكرامة، أكد انه بعد
إقرار برنامج الحكومة "سنرتب لأي أمور أخرى".
وأشار
الهجري إلى أنه بالنسبة للموضوع المثار حالياً بشأن منح الضمانات لصالح
وأعوانه، فلا يوجد أي تصور لمثل هذا الأمر بالوقت الحالي أو حديث عنه لأنه
لم يعد موضوعاً وارداً بعد التعديل للمبادرة الخليجية في آلياتها التنفيذية
وخاصة ما يتعلق بموضوع الاستقالة ومنح الضمانات خلال 30 يوم على التوقيع،
والحاصل الآن هو انتخابات رئاسية مبكرة خلال 3 أشهر.
لا حصانة للقتلة
ويؤكد
المسئول الإعلامي في منظمة الدفاع عن الحقوق والحريات (هود)، موسى
النمراني، انه "من حيث المبدأ ليس من حق أحد أن يمنح أياً كان حصانة من
المسائلة لا عن الحقوق الخاصة ولا عن الحقوق العامة".
وأوضح لـ(إسلام أون لاين)
المسئول الإعلامي في أهم منظمة حقوقية يمنية قامت برصد وتوثيق تلك
الجرائم، أن "فكرة الضمانات أو الحصانة هي فكرة خيالية غير صالحة للتطبيق
على أرض الواقع وإن تم إلباسها ثوب قانوني فهو مجرد عمل آني ليس له أي قيمة
قانونية لا محليا ولا دوليا".
وأضاف
النمراني "وهي فكرة أنجبتها عقول ساسة دول عربية وأجنبية، وهي لا تهدف إلى
حماية صالح ومن عمل معه بقدر ما تهدف إلى إيجاد حماية قانونية لمصالحها
التي حصلت عليها من خلال صالح ومن معه".وتابع "وهي على كل حال فكرة استهوت قلوب البعض في السلطة والمعارضة حيث وجدت هوى في أنفسهم لأن لهم منها نصيب"...واختتم
النمراني بالتأكيد على أنهم في منظمة "هود ومع شركائنا المحليين والدوليين
سنعمل على تحقيق العدالة ومساءلة كل فاعل عن ما قام به أمام قضاء عادل".
الثورة مستمرة
ويرى
نائب رئيس تحرير صحيفة رأي، فؤاد النهاري، أن "شباب الثورة لن يغادروا
ميادين الشرف وساحات الكرامة حتى يتحقق لثورتهم النجاح الكامل، بالرغم من
توقيع المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية".
وأضاف النهاري لـ(إسلام أون لاين)
في تعليقه على الموضوع ومدى إحداثه لشرخ أكبر بين المعارضة وشباب الثورة،
بأن مثل هذه الخطوة لو تمت "لن تثني عزائمهم سواء تشكيل حكومة وفاق أو منح
مجلس النواب الحصانة لصالح وأعوانه، وهو ما ظهر من خلال المسيرات الرافضة
للمبادرة والمطالبة بالمحاكمة العادلة لنظامه".
وأشار
النهاري إلى انه بطبيعة الحال؛ "الشباب رافضين لحكومة الوفاق وللمبادرة
الخليجية، وهو ما يعني بأن ثمة شرخ حدث بين الثوار الشباب، وبين النخبة
السياسية المشاركة في حكومة الوفاق، سواء تلك المؤطرة في تكتل أحزاب اللقاء
المشترك أو كتلة الأحرار القادمة من رحم النظام".
وأضاف
"وما يزيد من قوة الشباب الرافضين للمبادرة؛ مساندة تكوينات سياسية وشعبية
- مشاركة في الثورة لم تدخل في هذا الاتفاق ولم توافق عليه- كالحراك
الجنوبي وجماعة الحوثي وحزب الرابطة (رأي)".
ويقول
الصحفي النهاري إن "الشباب يعتبر أن المبادرة (قميص عثمان)، وأن لا نوايا
جادة من قبل بعض الأطراف السياسية في تنفيذها، وأن هناك سوابق تذكر بتاريخ
النظام السيئ في تعامله مع هكذا مبادرات، لعل أبرزها وثيقة العهد والاتفاق،
وغيرها من الاتفاقيات التي وقعت بينه والمعارضة؛ إلا أنه كان ينكث بها؛ من
خلال حيل وتدابير وافتعال مشكلات تعيق تنفيذ أي اتفاق".
واستدرك
"لكن هذا لا يعني بأية حال من الأحوال أن هناك قطيعة تامة بين الثوار
والنخب السياسية المعارضة التي أصبحت الآن شريكة في الحكم، إلا أن ما هو
متوقع خلال قادم الأيام هو استمرار التصعيد الثوري".ويخلص
الصحفي النهاري إلى أن الجميع يؤمل "خير في أن تشهد قادم الأيام استقرارا
سياسيا وتغييرا ثوريا يحقق ولو جزء بسيط من مطالب الشباب الثائر، في اتجاه
تغيير جذري شامل في الأفكار والآليات والسياسات وصولا إلى دولة الرفاه
والحق والقانون