|
القرضاوي : مخطط التشييع مستمر | الدوحة - وجه د. يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، رسالة مفتوحة مطولة إلى المفكر الإسلامي د. أحمد كمال أبو المجد رد فيها على الانتقادات التي وجهها له أبو المجد على خلفية إثارة الشيخ لقضية المد الشيعي في الدول العربية السنية.
وفي رسالته التي حصلت "إسلام أون لاين.نت" على نسخة منها، الخميس 9-10-2008، أبدى القرضاوي أيضا استغرابه من توالي انتقادات كتاب وعلماء من السنة لبيانه وتصريحاته الأخيرة التي حذر فيها من المد الشيعي بين المسلمين السنة في الوقت الذي توقف فيه هجوم الكتاب والصحفيين الشيعة عليه.
وجاء مقال د. القرضاوي تحت عنوان: "رد على رسالة الدكتور أحمد كمال أبو المجد حول السنة والشيعة"، التي نشرتها صحيفة "الدستور" المصرية يوم 30-9-2008 لـ"أبو المجد"، وطالب فيها أبو المجد القرضاوي بغلق الملف السني الشيعي "بغير إبطاء".
التوقيت والجهر
وبشأن ما تمناه أبو المجد في مقاله من أن القرضاوي لو كان أعلن موقفه هذا بينه وبين العلماء الشيعة في إطار محدود وليس في الصحف، قال القرضاوي: "هذا قد تمَّ يا دكتور أبو المجد خلال أكثر من عشر سنوات، تمَّ في مؤتمرات التقريب، وتمَّ خلال زيارتي لإيران سنة 1988 بيني وبين علماء طهران وقم ومشهد وأصفهان، وتمَّ فيما كتبتُه من بحوث ورسائل.. ولكني وجدتُ أن المخطط مستمر (..) ولهذا كان لا بد أن أدقَّ ناقوس الخطر، وأجراس الخطر - يا دكتور - لا تؤدِّي مهمتها ما لم تكن عالية الصوت".
وتابع قائلا: "أنا النذير لقومي يا دكتور، والنذير لا يجلس في غرفة مغلقة ويصيح"، وتضمنت الرسالة أيضا ردا على تحفظ د. أبو المجد على توقيت التصريحات باعتبارها، كما قال أبو المجد، جاءت في وقت "الحملة على الإسلام لا تزال في ذروتها" مما يوجب إعطاء الأولوية لوحدة الأمة.
وتساءل د. القرضاوي: "متى وقته إذن؟ أبعد خراب البصرة - كما يقال - يكون وقته؟ (...) هل يُراد منا أن ننام على آذاننا حتى يتم الغزو مهمته في عقر دارنا، وتتحول مجتمعاتنا عن معتقداتها وثوابتها ونحن في غفلة لاهون، وفي غمرة ساهون؟ وإذا رفعنا أصواتنا محذرين ومنذرين كنا مثيري فتنة بين المسلمين؟".
وأوضح د. القرضاوي أنه فتح هذا الملف في هذا التوقيت لأنه شعر بالخطر يهدِّد أمته بـ"مزيد من الانقسام في المجتمع الواحد، ومزيد من الصراع"، فبادر بتنبيه قومه على الخطر.
ومضى يوضح وجهة نظره قائلا: "ما كنتُ يوما من الأيام مهيِّجا ولا داعيا إلى فتنة ولا فُرقة، بل داعية إلى التقريب بين الفرق الإسلامية، وحين سعيتُ إلى تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين دعوتُ فيه ممثلين لكلِّ الفرق والمذاهب المتَّبعة والمعروفة في الأمة، التي لم تنشق عن الأمة تماما، ولم تمرُق من الإسلام وعقائده الأساسية".
شروط الوحدة والتقريب
وشدد في الوقت نفسه على أن "الوحدة الإسلامية إذا لم تقُم على أساس مكين من كتاب الله وسنة رسوله، فلن تقوم لها قائمة"، مذكرا بأن دعوته للتقريب المذهبي كانت دوما مقترنة بأربعة شروط، هي:
1. الموقف من القرآن الكريم، وأنه كلام الله المكتوب في المصحف، لا يقبل الزيادة ولا النقصان.
2. الموقف من الصحابة وأمهات المؤمنين، الذين نقلوا إلينا القرآن، وحفظوا لنا السنن، وهم تلاميذ المدرسة المحمدية، فلا ينبغي تشويه تاريخهم.
3. التوقف عن نشر المذهب الاعتقادي في البلاد الخالصة للمذهب الآخر، فإنك قد تكسب عشرة أو عشرين أو مائة أو مائتين، أو ألفا أو ألفين، ولكن حين يكتشف المجتمع أنك تحاول تغيير عقائده، ومحاربة مذهبه، فسيتجه إليك باللعنة، وستقف الملايين كلها ضدك.
4. الاعتراف بحقوق الأقلية، الدينية والسياسية، سواء كانت الأقلية سنية أم شيعية.
وتابع مخاطبا د. أبو المجد بشأن دعوته له إلى إغلاق هذا الملف: "كأنك تريدني أن أخون ديني ورسالتي، وأن أضلِّل قومي وأمتي، وأن أنقض الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ليبينن للناس الحقَّ ولا يكتمونه، وأن أكون شيطانا أخرس، حيث أرى بلاد السنة تنتقص أطرافها أمام الغزو الشيعي، وأقف ساكتا، لأن السكوت من ذهب".
واعتبر د. القرضاوي أن المناداة بإغلاق الملف "فرار من المواجهة مع الواقع، والواجب في مثل هذه الحال هو المواجهة والتصدِّي، ولكن بالحكمة والاعتدال، وفي بعض المواقف أرى أنه لا بد من المواجهة والحسم".
نشر المذهب الشيعي
كما أكد أن ما حذر منه من "غزو شيعي للمجتمعات السنية واضح كلَّ الوضوح"، وسبق أن "أقرَّ به الشيعة أنفسهم، فهل نريد أن نكون ملكيين أكثر من الملك؟".
وذكر على سبيل المثال بأن الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني "في لقائي معه على شاشة الجزيرة في 21/2/2007"، أقر بذلك حين قال: "إنسان عنده خير كيف نمنعه أن يبلِّغه؟ كما أن "وكالة الأنباء الإيرانية (مهر) اعتبرت انتشار المذهب الشيعي في أهل السنة من (معجزات آل البيت)".
وأوضح الشيخ أن ما يجري أيضا على أرض الواقع العملي "هو أصدق شاهد على ما أقول".
وعرض في هذا الصدد لما يحدث في "مجتمعات سنية خالصة لم يكن فيها من عشرين سنة شيعي واحد، ولم يكن فيها أي مشكلة تؤذن بصراع ديني فِرَقي (طائفي)، ثم أمسى فيها شيعة يتحدثون وينشطون ويتحرَّكون، ولهم صوت مسموع، ويطمعون أن يزدادوا ويكثروا".
وأضاف: "ومَن يستريب في قولي فلينظر إلى مصر والسودان وتونس والجزائر والمغرب وغيرها، فضلا عن البلاد الإسلامية في إفريقيا وآسيا، ناهيك عن الأقليات الإسلامية، بل يجب أن ينظر إلى فلسطين، التي حاول الشيعة في إيران اختراقها، كما حدَّثني بعض رؤساء الفصائل، وهذه جريمة لا تُغتفر، لحاجة الفلسطينيين إلى التوحُّد لا إلى مزيد من الانقسام".
وعن الخطر الذي يمثله نشر المذهب الشيعي، قال د. القرضاوي: "نراه بأعيننا، ونلمسه بأيدينا، في بلاد الصراع المذهبي (الطائفي) الذي راح ضحيته عشرات الألوف ومئات الألوف، كما هو جلي لكلِّ ذي عينين في العراق".
وأضاف: "كما شهدناه في لبنان، وفي اجتياح حزب الله أخيرا لبيروت، وما صاحبه من جرائم لا تكاد تصدق، بل حسبنا ما يجري في اليمن الآن من صراعات دموية بين الحكومة من جهة وبين الحوثيين الذين كانوا زيدية مسالمين ومتآلفين مع إخوانهم الشافعية، فلما تحوَّلوا إلى "اثنا عشرية" انقلبوا على أعقابهم يحاربون أهلهم".
ورأى أن "الخطر في نشر التشيع" هو أن وراءه إيران التي "تسعى إلى توظيف الدين والمذهب لتحقيق أهداف التوسُّع، ومد مناطق النفوذ، حيث تصبح الأقليات التي تأسَّست عبر السنين أذرعا وقواعد إيرانية فاعلة لتوتير العلاقات بين العرب وإيران".
"المفتونون بإيران"
ورأى العلامة القرضاوي أنه كان أولى بدكتور أبو المجد أن يوجه رسالته هذه إلى "المفتونين بإيران وحزب الله من قومنا، ومن أصدقائهما الذين يعز علي أن أراهم في موقف يفتقد الشرعية، حيث لم تحدِّثهم أنفسهم بكلمة نقد يوجِّهونها للذين أسفُّوا في خصومتهم معه، وافتروا عليه بالباطل، فخذلوه حيث تجب النصرة".
وتعقيبا على من قالوا من منتقديه إن تحذيره من الغزو الشيعي لمجتمعات السنة وقوف مع الاستكبار الأمريكي أو الاستعمار الصهيوني، ولا تلازم بين هذا وذاك، قال د. القرضاوي: "نحن نرفض الغزو الشيعي، ونقف في وجه الطغيان الأمريكي، والعدوان الصهيوني، جنبا إلى جنب، ونؤيد المقاومة بكلِّ قوَّة ضد الصهاينة والأمريكان في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان".
وطالب في المقابل منتقديه بأن "يقولوا كلمة واحدة للشيعة: أن كفُّوا أيديكم عن المجتمعات السنية اليوم، ولنتفرغ جميعا للصهيانة والأمريكان"، وأبدى أسفه لأنهم "لم يقولوها".
وأعرب القرضاوي عن دهشته أيضا لأن "وكالة الأنباء الإيرانية (مهر) صمتت، ومراجع الشيعة توارَوا إلى الخلف، وتركوا أهل السنة يردُّ بعضهم على بعض، وهم يتفرَّجون!".
واعتبر ذلك "مشهدا مذهلا حقا، ألا يوجد في المجتمع الشيعي كاتب واحد ينتصر لأهل السنة، في إيران أو العراق أو لبنان أو الخليج، على حين نفر من رجال السنة من هنا وهناك - ولا سيما في مصر بلد الأزهر - مَن ركب جواده، وامتشق سلاحه، دفاعا عن الشيعة المظاليم".
وعقب د. القرضاوي على من اتهموه بالتنازل عن منهج الوسطية الذي اشتهر به قائلا: "إني لم أَحِدْ عن منهج الوسطية قيد شعرة، ولكن بعض الإخوة قد يفهمون الوسطية على غير ما فهمتُها، فهم يحسبون أنها الميل إلى التيسير في كلِّ شيء، وأخذ موقف اللين في كلِّ أمر، وهذا ليس بصحيح".
"والوسطية عندي - يوضح القرضاوي - أن أشدِّد في موضع التشدُّد، وأن ألين في موضع اللين، وأن أحرِّم حيث يجب التحريم، وأن أحلِّل حيث ينبغي التحليل".
نفي وتكذيب
وفي إطار متصل، نفى الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف نجل الدكتور القرضاوي ما تردد عن تشييعه وانتقاله من المذهب السني إلى الشيعي، بحسب صحيفة "الدستور" المستقلة.
ونقلت صحفية الوطن السعودية عن د. محمد سليم العوا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قوله: إن ما ذكر عن تشيع نجل القرضاوي "كذب وهراء"، مؤكدا أن عبد الرحمن يوسف كان ينوي إقامة دعوى ضد مروجي هذه الشائعة، لكنه تراجع بعد أن اكتشف أن مروجيها لهم سوابق في هذا المجال. |