رسالة سامي الحاج لمحاميه من غوانتانامو
تلقت قناة الجزيرة رسالة من مصورها سامي الحاج، المعتقل في غوانتنامو منذ نحو أربع سنوات دون توجيه تهم رسمية له ودون محاكمة، تحدث فيها سامي إلى محاميه عن أسباب الإضراب عن الطعام في المعتقل وظروفه.
يذكر أن المحامي البريطاني كلايف ستافورد سميث هو وسيلة التواصل الوحيدة مع سامي الحاج، ورغم صفته القانونية لم يتمكن من الالتقاء بسامي سوى ثلاث مرات فقط. وفيما يلي نص الرسالة:
رسالة رقم 11
9 أغسطس/ آب 2005
إلى المحامي كلايف ستافورد سميث
عزيزي كلايف:
هذه بعض مذكراتي عن الإضراب عن الطعام
بدأ الإضراب عن الطعام في الثاني عشر من يوليو/ تموز الماضي في "المعسكر رقم 4" في ويسكي بلوك تحديداً، حيث انضم الجميع إلى الإضراب حتى وصل العدد إلى 190 مشاركاً.
اشتملت المطالب على وقف أسلوب اليد الحديدية الذي يمارس على المعتقلين خاصة في "المعسكر رقم 5"، وتوفير الرعاية الصحيّة ووقف الممارسات واسعة النطاق فيه بتخدير المحتجزين والتلاعب بحالتهم الذهنية.
في 15 يوليو/ تموز وصلت مجموعة هامة من الزائرين إلى "معسكر دلتا" نعتقد أنهم من الكونغرس الأميركي، ولأسباب لا يعرفها إلا السلطات هنا، لم يسمح للزائرين بالقيام بجولة اعتيادية في "المعسكر 4"، ربما لما يشوبه من توتر. ولكن الجولة تضمنت المستشفى القريب من ويسكي بلوك.
وبسبب الإحباط واليأس الذي يشعر به المحتجزون، شرعوا بالصراخ والحديث بصوت عال أملاً بأن يسمعهم الزائرون فيشرحوا مشاكلهم، حيث كان ينادي البعض بـ"الحرية" وآخرون يصرخون "بوش هتلر" وغير ذلك مثل "هذا غولاج"، أي سخرة وعبودية.
في هذه الأثناء حاول بعض الزائرين الاقتراب من ويسكي بلوك حتى يتمكنوا من سماع الصراخ رغم تحذير الحرس لهم من الاقتراب. بعض الزائرين أبدوا اهتماماً كبيراً بسماع ما يجري، في حين كان الآخرون ينظر إلينا باشمئزاز.
في الساعة الخامسة مساء من 17 يوليو/ تموز، أخذت السلطات في "معسكر دلتا" بإجلاء المعتقلين من ويسكي بلوك رغماً عنهم (نعتقد أن زيارة تلك المجموعة قبل يومين هي السبب وراء هذا التصرف). فقد أعادوا 18 محتجزا إلى "المعسكرين 2 و3" حيث الظروف الأكثر سوءاً. وكان ضمن المنقولين أحد موكليك جميل البنا. ورغم عدم إبداء مقاومة من قبل المحتجزين غير أنه تم استخدام قوات تعزيز النظام المعروفة بـ ERF.
ومع انتهاء العملية تكون السلطات قد نقلت 18 محتجزاً من عنبرين، وطلب المحتجزون الآخرون في ويسكي بلوك الانضمام إلى زملائهم في "المعسكرين 2 و3".
في هذه الأثناء بدأت الأمور تسوء في "معسكر 4"، ورغب الآخرون الذين يقبعون في الجوار بأن ينقلوا إلى "المعسكرين 2 و3" الأكثر سوءاً، وفي نهاية المطاف طلب حوالي 40 معتقلاً الذهاب إلى هناك متبعين جميعهم الإجراءات المطلوبة لإخلاء "المعسكر4"، تاركين كل ممتلكاتهم، ثم الوقوف خارج المعسكر حتى تأخذ السلطات ذلك على محمل الجد.
وفي الساعة 3 مساء من يوم 18 يوليو/ تموز بدأت عملية ترحيل المعتقلين إلى "المعسكرين 2 و3".
ومع تقدمهم في الإضراب، بدأ المحتجزون بترديد: "لماذا نحن أعداء؟"، وكان الجنرال قال إنه لا يمتلك سلطة لتغيير ذلك. وقد قيل لنا أن دونالد رمسفيلد (وزير الدفاع الأميركي) بعث برسالة من واشنطن يطالب فيها الجنرال بتطبيق ميثاق جنيف على غوانتنامو.
كانت أكثر القضايا أهمية بالنسبة لنا هي إغلاق "معسكر 5" لأن الظروف فيها غاية في السوء.
جاءنا ضباط عسكريون ووعدونا بتأمين مقصف نشتري منه بعض الحاجات، كما أبلغونا بإمكانية إرسال عائلاتنا أموالاً لنا، ومنح كل شخص لا يملك أموالاً ثلاثة دولارات أسبوعياً.
كان هناك مجلس سجناء أسس لتمكين المعتقلين من الحديث عن قضاياهم والتفاوض عليها مع السلطات والتوصل إلى مواقف ثابتة لدى الجميع. ورغم أنه سمح لهم بإجراء اجتماعات فقد منعوا من الحديث بشكل سري، لذا لجؤوا إلى تمرير الملاحظات فيما بينهم عبر قصاصات من الورق ومن ثم بلعها، وهذا ما أثار سخط السلطات.
وفي الخامس من أغسطس/ آب، أحدثت قضية هشام السليطي عدة مشاكل خطيرة، فقد كان يتعرض للضرب أثناء التحقيق ودنسوا القرآن مجدداً، وكان ثمة مشاكل متواصلة تتعلق بالقرآن، فمثلاً، طلب أحد الشرطة العسكرية من الشمراني -من اليمن- شيئاً أثناء تأديته الصلاة، وقال إنه سيقوم بذلك بعد الانتهاء من صلاته، وما كان من الشرطة إلا أن انهالت عليه بالضرب على وجهه حتى غطته الدماء، وأخذوا يركلون القرآن الكريم ويدوسونه.
وهذه ليست القضية الوحيدة، فقد قيل لحكيم، من اليمن أيضاً، إنه يمثل خطراً على الأميركيين لأنه يحفظ القرآن جميعه، وهذه إهانة للعقيدة الإسلامية برمّتها.
وهناك أيضاً سعد، من الكويت، الذي أخذ عنوة إلى الحجز من أجل التحقيق، وقد سبق وأرغم على قضاء خمس ساعات مع امرأة تضايقه جنسياً، فضلاً عن الطفل عمر خضر من كندا الذي سحب أيضاً إلى الحجز للتحقيق.
وفي "معسكر 3" كان السجناء يؤخذون إلى مكان يدعى روميو حيث تمتهن كرامتهم ويرغمون على ارتداء البنطال القصير، وعمدت السلطات إلى وقف المياه مدة 24 ساعة دون أن تجلب لهم الطعام أيضاً.
في الثامن من أغسطس/ آب ألغى الجنرال اجتماعاً لمجلس السجناء، وبدأ "معسكرا 2 و3" إضرابهم عن الطعام في السابع من هذا الشهر، بينما شرع "معسكر 1" في الإضراب بعد ذلك بيومين.
وما بدأ الإضراب مرة ثانية حتى جاء الكولونيل حاملاً مكبر صوت ويرغب في التحدث مع قادة البلوكات، ولكننا رفضنا.
لذا كان علينا أن نمضي في هذا الإضراب مجدداً، وهو شيء لا أطمح إليه ولكن ينبغي علي ذلك، فيجب أن نقف إلى جانب بعضنا البعض وخاصة إلى جانب أولئك المحتجزين في "معسكر 5".
كلي أمل أن أبقى على قيد الحياة، وأرجوك أن تبلغ زوجتي وولدي أنني أحبهم.
صديقك وموكلك سامي محي الدين الحاج *****************************
جزيرة نت
آلام الأسنان سلاح آخر لمحققي غوانتنامو
كشفت رسالة لمصور الجزيرة المعتقل في غوانتنامو سامي الحاج أرسلها إلى محاميه الأميركي جانباً من ممارسات الجيش الأميركي ضد المعتقلين والأوضاع المأساوية التي يحيونها رغم نفي الإدارة الأميركية لذلك.
واشتكى الحاج الذي أوقف في أفغانستان، وظل معتقلاً بغوانتنامو لأكثر من عامين دون تهم، من أنه على غرار العديد من المعتقلين يعاني المرض من دون أن تحرك إدارة السجن ساكناً لتخفيف معاناة السجناء.
وتطرقت الرسالة المطوّلة التي كانت تنضح بشوقه إلى بلده السودان إلى الطرق التي يعتمدها الجيش الأميركي لحمل السجناء على التعاون في التحقيق, بما فيها الحرمان من حق العلاج.
أضراسك تنفع في التحقيق
وقال الحاج إن السجين قد يعاني آلام الأسنان لأسبوع أو أسبوعين ولا يستجاب لطلبه بنقله إلى العيادة ولو أضرب عن الطعام, و"لما يطلب مقابلة المحقق ويتعهد بالتعاون التام والإجابة على جميع الأسئلة ما يخصه وما لا يخصه", يستدعي الطبيب المريض إلى العيادة ويخلع له الضرس.
غير أن الأمر لا يتعلق بالضرس المسوس, وإنما بالضرس السليم حتى يضمن تعاونه في جلسات التحقيق القادمة, وينطبق الشيء نفسه على من يعانون أمراض العيون الذين لا يتحسن نظرهم إلا إذا تعاونوا مع المحققين.
الوصفة السحرية
كما وصف الحاج سوء الخدمات الطبية وكيف يترك المرضى دون علاج, قائلاً إن الصيادلة والأطباء لا يكلفون أنفسهم عناء الكشف عليهم, بل يكتفون بوصف الماء لكل الأمراض من التهاب اللوزتين إلى الروماتيزم, وعندما يلح المريض في طلب نقله إلى عيادة الطوارئ, يسارع الممرضون بالوصفة السحرية "اشرب الماء".
كما قال الحاج إن بعض المعتقلين اكتشفوا أنهم أصيبوا بأمراض مزمنة بعد دخولهم المعتقل, وترفض إدارة السجن علاجهم، على غرار ولي محمد الأفغاني، الذي عرف بعد ثلاث سنوات أنه مصاب بالسرطان في مراحله الأخيرة, لكن إدارة السجن أبلغته أن "الحكومة الأميركية ترفض علاجه وعليه أن يعود إلى بلده ليقضي أيامه الأخيرة".
كما تحدثت الرسالة عن إشاعات تفيد بأن التطعيم الذي يقوم به الأطباء ضد بعض الأمراض إن هو إلا حقن لأمراض أخرى مثل نقص المناعة والعقم وغيرها.
وينهي الحاج رسالته ساخراً بالقول إن الجراحين يشهد لهم بالإخلاص والتفاني وأنهم "لا يتأخرون في بتر أيدي وأرجل الأسرى العليلة والسليمة، يشاطرهم في هذا الجهد الصيادلة الذين يصفون حبوب المخدرات الغالية الثمن لمن يعلم ولا يعلم". ***************************
الجزيرة نت سامي الحاج: المرض أسلوب للاستجواب في غوانتانامو
في رسالة لمحاميه كلايف ستافور سميث، كشف سامي الحاج مصور قناة الجزيرة المعتقل بغوانتانامو منذ نحو أربع سنوات دون توجيه تهم رسمية له ودون أي محاكمة، عن ظروف السجناء الصحية في المعتقل لافتا إلى ضعف الخدمات الطبية وإلى أن الأميركيين يلجؤون لأسلوب "الداء موجود والدواء مفقود" لاستجواب المعتقلين.
التاريخ 15 يوليو/ تموز 2005
عزيزي كلايف:
طاب يومك
اسمح لي أن أحيطك علماً بأنني قلق على صحتي التي بدأت تسوء يوماً بعد يوم.. ولا يخفى عليك أنه لا يزال الأسرى بخليج غوانتانامو الشهير بجولاج الجديد يعانون من ضعف الخدمات الطبية، فلا يكاد عنبر من عنابر السجن يخلو من آهات وأنين المرضى، ولا يزال نجيب المغربي يحمل يده التي كسرت خلال أحداث قلعة جانغي الشهيرة عام 2001.
أما الاكتشاف المذهل الذي توصل له فريق المتدربين من الأطباء والصيادلة بجولاج الجديد هو أن الماء دواء لكل داء. أجل الماء دواء لكل داء، فما من أسير يشتكي من مرض، بدءاً بنزلات البرد ومروراً بآلام الظهر وانتهاء بالحساسية بأشكالها المختلفة، إلا وكانت وصفات الدواء جاهزة على لسان الصيدلي: اشرب ماء. يشتكى من التهاب اللوز: اشرب ماء، اشرب ماء حتى أصبح الحارس عندما يطلب منه (الأصير العيادي) للطوارئ يسارع بالوصفة الطبية: اشرب ماء.
يعاني جميع المحرمين من فرش الأسنان بسبب العقوبات الطويلة الأمد من آلام الأسنان. يظل الأسير أسبوعاً أسبوعين يستدعي العيادة دون جدوى، يضرب عن الطعام، لا حياة لمن تنادي. أخيراً يطلب التحقيق ويقابل المحقق ويوعده ويتعهد له بالتعاون التام في التحقيق والإجابة عن جميع الأسئلة، ما يخصه وما لا يخصه، ثم من بعد يستدعيه الطبيب للعيادة ويقوم بالمهمة خير قيام، وبمنتهى الإخلاص يخلع له الضرس السليم ويترك له الآخر حتى يواصل التحدث في التحقيق.
غير أن حبيب التعذيا قد ضرب الرقم القياسي في التعاون في التحقيق، ولا سيما أنه قد خلع له أربعة أضراس سليمة وتركت له الأضراس الأخرى!
أما الذي يعانون من أمراض العيون فحالهم لم يكن أفضل من سابقيهم، فمزيد من التعاون في التحقيق يتحسن نظرك وتصرف لك نظارة بلاستيكية العدسات للاحتياطات الأمنية، غير أنها لا تغني من جوع إلا إذا حالفك الحظ وكان بجوارك من يشاركك نفس الحال، وبكل تأكيد متعاون في التحقيق له نظارة تشابه نظارتك فعندها يمكنك استعمال النظارتين معاً، وتصبح قادراً على قراءة المصحف الكريم. غير أن شيخ علاء المصري نظره ضعيف جداً، وهو يحتاج المزيد من النظارات حتى يرى أمامه.
أبو أحمد الليبي يعاني من مرض الكبد، وبعد جهد جهيد صرف له عدة أنواع من الدواء، وكانت حالته تسوء يوماً بعد يوم، وعندما طلب منهم دواءه السابق الذي كان يستعمله قبل الأسر، قال له الطبيب من غير حياء: الدواء الذي تطلبه غالي الثمن، وبما أنك معتقل فأنت لا تستحقه.
عبد الهادي السوري يعاني من مرض القلب، غير أنه غير مستعد لعمل أي عملية جراحية بخليج غوانتانامو وخاصة بعد النصيحة الغالية التي قدمها له العم صالح محمد علي اليمني الذي أجرى عملية جراحية، قبل سنتين ونصف، لتوسيع شرايين القلب، وما زال يعاني من نفس الآلام، وأخيراً أخبروه بأن العملية لم تكن ناجحة.
عبد العزيز المصري اقتحمت عليه فرقة مكافحة الشغب داخل زنزانته وقامت بضربه حتى كسرت له فقرتين من العمود الفقري، وأصبح بعدها لا يستطيع الحركة. رفض عمل أي عملية جراحية خاصة عندما رأى حال مشعل الحربي المدني، الذي أصبح بعد العمليات التي أجريت له لا يستطيع أن يحرك ساكناً، أما عمران الطائفي فكان عبرة لمن لا يعتبر، فقد أجروا له أكثر من 16 عملية جراحية في رجله وما زال يعاني منها.
ولي محمد الأفغاني اكتشف بعد ثلاث سنوات من المعاناة أنه مصاب بمرض السرطان، وأن المرض في مراحله الأخيرة، ولم يخفوا عليه أن نتائج التشخيصات تقول إنه أصيب بالمرض أثناء فترة أسره، غير أنهم كانوا معه أكثر صراحة من السابقين، إذ أبلغوه أن الحكومة الأميركية قد رفضت علاجه وعليه أن يعود إلى بلده حتى يقضي أيامه الأخيرة مع زوجته وأولاده ويموت ويدفن في بلده.
ولم يكن حال مواطنه محمد علم بأحسن منه، فلقد أخبروه بأنه مصاب بمرض السرطان في الحلق وعليه أن يعود إلى أفغانستان.
هنالك شائعات انتشرت مؤخراً تقول إن التطعيم الذي كانوا يجبرون عليه المعتقلين في السنوات الثلاث الماضية ما هو سوى حقن أمراض تظهر بعد فترة مثل مرض نقص المناعة والعقم وغيرهما.
غير أن الحق يقال إن الجراحين يشهد لهم بالإخلاص والتفاني وإنهم لا يتأخرون في بتر أيدي وأرجل الأسرى العليلة والسليمة على حد سواء، ويشاطرهم في هذا الجهد الصيادلة الذين يصرفون بسخاء حبوب المخدرات الغالية الثمن لمن يعلم ولمن لا يعلم!
مخلصك سامي محي الدين الحاج ****************************
سامي الحاج يروي معاناته في سجن باغرام الأميركي
يروي مصور قناة الجزيرة سامي الحاج لمحاميه كلايف ستافورد سميث عن رحلة التعذيب التي عاشها وما زال في السجون الأميركية، ويبدأها بقاعدة باغرام بأفغانستان حيث نقل إليها بتاريخ 8 يناير/ كانون الثاني 2002 وبقي فيها حتى 23 يناير/ كانون الثاني.
يقول سامي: وصلت إلى باغرام في الثامن من يناير/ كانون الثاني عام 2002 ومكثت هناك 16 يوما خلتها 16 سنة, إذ كانت أطول أيام عرفتها في حياتي.
سألني الشرطي العسكري "من أين جئت لقتالي؟" فأجبت: "لم آت لقتالك أنا أفريقي". عندها لكمني على وجهي لكمة سقطت بعدها على الأرض وسال الدم من وجهي, ثم بدؤوا بتسديد اللكمات إليّ عدة مرات وكان هناك حوالي 40 سجيناً وكانوا يسمونني الرقم 35. بعدها صرخ بنا أحد الشرطة العسكرية قائلاً "الآن تحركوا!".
كان الطقس بارداً جداً، ولم ألبس سوى حذاء واحداً؛ حيث كان الحذاء الآخر قد ضاع، وكان هناك حبل يربط كلا منا بالآخر, فدفعونا لمدة عشر دقائق تقريباً.
بعدها أخذوا القناع من فوق رأسي للحظة فقط, ثم جعلوني أنحني بطريقة مذلة وغيروا تقييد يدي, وكان الطقس بارداً بشكل لا يحتمل، وقد أمرونا بأن لا نتحرك من أماكننا، وبدؤوا يأخذوننا واحدا تلو الآخر لمدة خمس دقائق كنت أسمع خلالها الصراخ وكثيراً من الضوضاء, ولم يحن دوري إلا بعد ساعتين وكان الخوف قد تملّكني, وبدأت أفكار كثيرة تمرّ بذهني.
كانوا يعاقبون كل من يتحرك, لكنني فقدت الحس تدريجياً, فسقطت من البرد ولم أستطع التحرك, فبدؤوا يضربونني, ثم أخذوني إلى غرفة لم يكن بها من السجناء إلا أنا وحدي، فتركوني -والقناع على رأسي- واقفاً وكنت أحس بأن كل من هم حولي من الشرطة العسكرية.
ثم سمعت أحدهم يقول لي: "انزع ملابسك" لكنه تبع ذلك بتمزيق الملابس عني, ونزع القناع مرة أخرى, فرأيت عسكرياً يحمل مسدساً، وآخر رشاشاً واثنين يمسكان بهري, ثم قاموا بإجراء "التفتيش الدبري" الذي كان القصد منه إهانتي فقط.
بعدها ألبسوني بذلة زرقاء وسألوني عن إسمي فقلت "سامي". ثم قال لي المحقق "أنت الذي صورت أفلام فيديو بن لادن للجزيرة". فأجبت "لا أبداً". فقال "اخرس.. من الأفضل أن تحكي لنا عن ذلك".
ثم تركوني في تلك الحظيرة وتركوا لي بطانيتين مع الإبقاء على قيدي البلاستيكي، وقال لي أحدهم إنني لو تحركت فسوف يطلقون النار علي.
كان بتلك الحظيرة القديمة أربع زنزانات، بل أقفاص, لكل منها بابان ويوجد بها برميل نفط هو حمام الزنزانة يمكن لأي شخص أن يراك بداخله وقت استخدام المرحاض, الذي لم يكن يسمح لك باستخدامه سوى ثلاث مرات في اليوم.
كانوا يعطوننا وجبة واحدة في اليوم, هي في الواقع عبارة عن وجبة من الوجبات الجاهزة المخصصة للعسكريين, لكنها كانت باردة بحيث لم أتناولها قط، وكنت أكتفي بشرب قليل من الماء, وكانت قنينة مائي تتجمد في الليل. وبعد 8 أو 9 أيام أعطونا نصف رغيف من الخبز وبعض البسكويت.
لم يكن يسمح لي بالحديث على الإطلاق، وأصبت بالروماتيزم، ولا أعتقد أنني نمت قط منذ اليوم الثالث بسبب البرد القارس, لكن ربما غفوت قليلاً خلال النهار عندما ترتفع درجات الحرارة قليلاً. كما لم يكن يسمح لي بالتوضؤ للصلاة.
وفي اليوم العاشر نادى مناد "الرقم 35" فوجدت نفسي أمام أميركي ومترجم جزائري يدعى عمر، فسألاني عن اسمي وجنسيتي ووظيفتي.
قالا: "أجريت مقابلات مع بن لادن لصالح الجزيرة". قالا في البداية إن ذلك كان عام 1998 فنفيت ذلك، وقلت لهما إنني لم أكن موظفاً في الجزيرة آنذاك، وإنني أتذكر أن أحداً آخر هو من قام بتلك المقابلة.
ثم قالوا إنني كنت أجري مقابلات مع بن لادن لحظة وقوع أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، فقلت إنني كنت في دمشق بسوريا آنذاك.
ثم قالا إنني أجريتها معه عام 2001، فقلت إنني شاهدت تلك المقابلة التي أجريت إبان القصف لكن الذي أجراها كان مراسل الجزيرة في كابل أما أنا فقد كنت في قندهار حينذاك.
حينها زعموا أنني أجريت مع بن لادن مقابلة أخرى في قندهار، فقلت إنه إذا كانت مقابلة ما قد أجريت هناك, فإنني لست من أجراها، فأنا أعمل كمصور ولست صحفياً.
وفي آخر الأمر أعطوني شكلية رسالة من رسائل الصليب الأحمر, لكنهم رفضوا إرسالها عندما لاحظوا أنني وضعت عنوان الجزيرة عليها.
ثم سألوني ما إذا كنت سأصف للآخرين ما تعرضت له من تعذيب على أيديهم في باغرام إذا ما أطلق سراحي فقلت "نعم, بالطبع".
ثم طلبت طبيباً للاعتناء بجراحي, وجاء طبيب بعد ثلاثة أيام لكنه أتى للاعتناء بسجين آخر, ولم تقدم لي أية مساعدة ولا حتى أية مهدئات, لم تقدم لي أية أدوية على الإطلاق.
لقد كان التعذيب في باغرام مستمراً طول الوقت, وركلوني بشكل مستمر في باغرام وقندهار, بل وهددوا بإطلاق النار علي.
المصدر: الجزيرة *******************************
تعذيب سامي الحاج في سجن قندهار الأميركي بأفغانستان
يتابع مصور قناة الجزيرة سامي الحاج روايته للتعذيب الذي تعرض له ويروي الفصل الثاني منه حيث نقل من سجن باغرام إلى سجن آخر بقندهار بأفغانستان بتاريخ 23 يناير/ كانون الثاني 2002 وظل هناك إلى أن تم نقله إلى معتقل غوانتانامو بكوبا بتاريخ 13 يونيو/ 2002. أخذوني إلى قندهار يوم 23 يناير/ كانون الثاني 2002، وكنت أستطيع فهم ما يقولون، وبعض الجنود لم يكن يعلم أنني أتحدث الإنجليزية حين ألقوني على وجهي على الأرض ثم بدؤوا يرقصون على ظهري ويرددون كلاماً بذيئاً شمل كل أشكال السب وسب الأهل.
وخصصوا وقتاً لاقتلاع بعض الشعر من لحيتي وأعادوا "التفتيش الدبري" قبل أن يوزعونا بين الخيام, حيث وضعوا عشرين سجينا في كل خيمة.
كان البرد قارساً بحيث لم أعد أستطيع تحريك قدمي وضعوني في أغلال وأرغموني على المشي حافياً في المياه المتجمدة في الطريق, بل وبطحوني على الأرض, وأحدهم وضع ركبته على ظهري.
وكانوا يعاقبوننا في قندهار إذا ما تحدثنا في مجموعة تزيد على ثلاثة أشخاص, حتى وقت الصلاة.
وفي إحدى المرات دهس أحدهم على رأس إمامنا برجله بينما كان ساجداً, والصليب الأحمر يعلم عن هذه الحادثة.
قالوا "أنت تتحدث إلى عدد هائل من الناس" وعوقبت عندما ترجمت للآخرين, كما عوقبت بتهمة عدم ترجمة كل شيء للمعتقلين.
وفي إحدى المرات بطحوني على الأرض وركلوني، وعندما سألت عن السبب, كان الجواب "اصمت".
ومن وسائل التعذيب الأخرى أنهم كانوا يرغمونني على أن أجثو على ركبتي على الأرض الباردة ويدي فوق رأسي لمدد طويلة, وتكرر ذلك أكثر من 30 مرة.
وكنت أعاقب لمجرد كوني تركت بعض الطعام الذي يقدم لي لتناوله في وقت لاحق.
كما كنت حاضراً عندما قام الجنود الأميركيون برمي المصحف الشريف في المرحاض في قندهار (وذلك قبل فضيحة تدنيس المصحف الشريف بغوانتانامو. المحامي).
ودأب الجنود على الحديث عن الجنس والمسائل الجنسية, بل إن أحدهم قال لي مرة "سأقوم بممارسة الجنس معك" فقلت "إنني رجل" فأجاب" "ذلك لا يهم فأنا أحب فعل ذلك مع الرجال".
كنا نجبر على الجلوس معاً عراة، ولم أستحمم لمدة 100 يوم، فغزا القمل والحشرات ملابسي, ولم يكن يعطى لي من الماء سوى ماء للشرب وليس لتنظيف نفسي.
وقبل زيارة الصليب الأحمر سمح لنا بالاستحمام لمدة خمس دقائق فقط.
حلقوا شعري بطريقة سيئة تاركين بعض الشعر هنا وبعضاً هناك, لكنهم رسموا صلباناً بالحلاقة في رؤوس بعض السجناء الآخرين، وسعياً منهم إلى إذلال أحد المعتقلين وهو يمني الجنسية، قاموا بحلق حاجبيه.
وبحلول مايو/ أيار أصبح الجو حاراً جداً, فأصيب السجناء بالجفاف وضربات الشمس, وهذا هو ما حدث لي.
وعندما يسقط الشخص مغشياً عليه من الحر يأخذونه إلى "الخيمة الطبية" حيث يقومون بتمزيق كل ملابسه ويتركونه هناك عارياً.
كان هناك أحد المعتقلين ينزف جراء إصابة بيده، وعندما أراد أحد الممرضين إسعافه أمره أحد الأطباء الأميركيين بعدم فعل ذلك، مضيفاً بأنه لن يأسف عليه إن مات.
استجوبني بريطانيون مرتين، الأولى في باغرام والثانية في غوانتانامو. أما الأميركيون فسألوني عن أذربيجان بلد زوجتي, كما سألوني عن أعمال تجارية في الإمارات العربية المتحدة وعن بن لادن.
وقالوا إنهم لم يجدوا شيئاً ضدي وأنهم سيطلقون سراحي غير أن وعدهم الذي يتكرر كل يوم هو "غداً".
المصدر: الجزيرة ******************************
سامي الحاج يكشف فنون التعذيب الأميركية بغوانتانامو
يكشف مصور قناة الجزيرة سامي الحاج عن صنوف التعذيب الأميركي التي تمارس في معتقل غوانتانامو الذي نقل إليه يوم 13 يونيو/ حزيران 2002 ومازال فيه حتى الآن دون أن توجيه تهم رسمية له إو إجراء أي محاكمة.
ويتحدث الحاج عن أساليب الاستجواب وكذلك عن فضيحة تدنيس الجنود الأميركيين للمصحف الشريف التي أدت لإضراب المعتقلين عن الطعام فضلاً عن العديد من الانتهاكات الأخرى:
أخذوني إلى غوانتانامو يوم 13 يونيو/ حزيران 2002.
في البداية تركوني لمدة 5 أو 6 ساعات في خيمة, حيث نزعوا ملابسي مرة أخرى وصوروني وأخذوا بصماتي, وأحضروا كلاباً بوليسية جعلوها تتشممني.
بعدها وضعونا في طائرة توقفت مرة واحدة بعد أربع ساعات ربما كان ذلك في كراتشي, ثم وضعونا على متن طائرة أخرى لم تهبط إلا في غوانتانامو.
لم يسمحوا لأي منا بالنوم، ووضعوا قفازات على أيدينا وعصبوا أعيننا وكمموا أفواهنا، وربطوا يدي مع الأغلال المحيطة بساقي.
لم نأكل سوى بضع حبات فول كانوا يضعونها في أفواهنا, والماء الوحيد الذي أعطوننا إياه كان من خلال زجاجة ماء يستعملها جميع المعتقلين مهما كانت الأمراض التي يعانون منها.
أما إذا ما أردت الذهاب إلى المرحاض، فإنهم يخلون سبيل إحدى يديك ويذهب معك أحد الحراس إلى المرحاض ولا يعطونك أوراقاً صحية ولا يسمحون لك باستخدام الماء.
عندما وصلنا إلى معتقل غوانتانامو بكوبا في 14 يونيو/ حزيران 2002 قاموا بـ"التفتيش الدبري" مرة أخرى.
مشاكل صحية
بعد كل أيام الاعتقال، أصبحت أعاني من مشاكل في القلب, وروماتيزم مستمر في الأقدام, ولدي مشاكل في الأسنان، فضلاً عن مشاكل صحية قديمة مرتبطة بورم كان قد أزيل من رقبتي في السودان عام 1988, وكان من المفترض أن أتناول عقاقير لذلك، لكني لم أعط منها شيئاً خلال هذه السنوات الثلاث ونصف السنة.
الشيء الوحيد الذي وفروه بالفعل كان حقنة تيتانوس، وقد رفضتها لأنني لم أكن أحتاجها ولم أكن أريدها, حيث إنني كنت قد أخذتها في الدوحة قبل ذهابي لتغطية الحرب الأميركية على أفغانستان, لكنهم عاقبوني لرفضي تلك الحقنة وأصروا على أنهم لن يتركوني أتلقى أي علاج ولا أية عناية صحية ما لم أوافق على أخذ تلك الحقنة، وهو ما حدث بالفعل فمنذ ثلاث سنوات لم أحصل على أية عناية طبية.
وضعوني في زنزانة مجاورة لزنزانة الأفغاني محمد الولي، الذي يعاني من السل الرئوي, وكان لا يزال مريضاً آخر مرة رأيته فيها.
تدنيس المصحف
قمنا بإضراب في أغسطس/ آب 2003 بسبب تعامل الحراس مع المصحف الشريف. فقد قام أحدهم بكتابة كلمة بذيئة على المصحف وقام آخر بركله وترك بصمة نعله على إحدى صفحاته.
وفي اليوم الثاني للإضراب جاءت قوات التدخل السريع فقامت بضربنا ورشنا برذاذ الفلفل الحار, ورداً على ذلك حاول 20 من أصل 48 شخصا في ذلك الجناح من المعتقل شنق أنفسهم لإظهار مدى أهمية هذه القضية بالنسبة لنا, فأخضعونا للدرجة أربعة التي تتميز بأسوأ أنواع المعاملة.
وفي اليوم الثالث وضعونا في زنزانات انفرادية وأرادوا حلق رأسي فدفعوني إلى الأمام فسقطت من على عدد من الدرج فمسكوني بشعري وضربوا وجهي على الخرسانة فسال الدم من حاجب عيني اليسرى ونجم عن ذلك جرح لا يزال أثره ظاهراً، وواصلوا ضربي قبل أن يودعوني في زنزانتي.
وعندما وصل الطبيب وفتح النافذة قال إنني أحتاج إلى عدد من الغرز لكنه أصر على أن يجري تلك العملية عبر النافذة، وأنه لن يعطيني أية أدوية مسكنة للآلام, وبعد ذلك بيومين سجل الصليب الأحمر جرحي وجاءني أحد المحققين للسؤال عما جرى قبل أن أنقل أخيراً إلى المستشفى.
أبقوني في زنزانة انفرادية لمدة أربعة أيام قبل أن يحوّلوني إلى سجن "كامب4" الذي يخصص عادة لسجناء الدرجة الرابعة, حيث أمضيت ثمانية أشهر, وكل ذلك احتجاجاً على تدنيس القرآن.
وفي أبريل/ نيسان 2004 أخذوني إلى "كامب روميو" لمدة 11 يوماً, وهذا هو المعتقل الذي لا يسمح لك فيه بلبس أي شيء عدا سروال قصير, لكن مع حلول سبتمبر/ أيلول 2004 كنت قد رجعت من جديد إلى معتقل الدرجة الأولى "كامب1" وهو أقل المعتقلات سوءاً, ثم أخذت إلى معتقل "كامب 5" في ديسمبر/ كانون الأول 2004.
العنصرية
هناك تمييز عنصري واضح ضدنا نحن الأفارقة، وأعني هنا أنا والأوغندي جمال كييومبا والتشادي الطفل يوسف والبريطاني من أصل كاريبي جمال بيلمار.
فلا يمر يوم إلا ويسبّون السود, كما أنهم لا يعطونهم نفس الوقت من الاستراحة الذي يمنحون غيرهم وينعتونهم بكل الصفات السيئة مثل "السود الأغبياء"...إلخ.
معاملات سيئة أخرى
التعذيب في غوانتانامو لا نهاية له, فقد تعرضت لأنواعه كلها بل إنهم أخضعوني للعذاب ست مرات خلال عشرة أيام فقط.
وقد ضربوني على قدمي في غوانتانامو تماماً كما كانوا يفعلون بي في باغرام وقندهار كما ضربوني على ذراعي ورأسي.
وقد اعترضوا البريد الذي يصلني واحتجزوا إحدى الرسائل المرسلة إليّ لمدة عشرة أشهر بعد وصولها إليهم.
وقد رأينا نوعاً من الحشرات الميتة في طعام أحد السجناء فأحجمنا جميعاً عن الأكل لأن الطعام يأتينا من نفس المصدر.
إنهم يعاقبوننا على أتفه الأسباب, بعض الناس يسمي الملعقة البلاستيكية كلاشينكوف كامب ديفيد، لأن الجنود يعاملون السجين عندما تكون عنده ملعقة من ذلك النوع وكأنه يحمل سلاحا فتاكاً.
الاستجواب بغوانتانامو
يتعرض السجناء لأعمال سيئة خلال الاستجواب, فقد مسحت إحدى المحققات ما قالت إنه دم حيض على السوري يعقوب، وقد لفّ السعودي عبد الهادي بالعلم الإسرائيلي ودنس القرآن أمامه إبان التحقيق.
أما أنا فكان استجوابي الأول بعد حرماني من النوم لمدة يومين وتواصل استجوابي لمدة سبعة أيام دون انقطاع, ثم أصبح الاستجواب مرتين كل أسبوع تقريباً, لقد كانت أسئلتهم تتعلق بكل شيء في حياتي وقد أجبتهم عن كل ما سألوني عنه.
قالوا إنني زرت الشيشان والمملكة المتحدة وهذا غير صحيح, وذكروا أن المخابرات البريطانية هي التي أعطتهم المعلومات التي اعتقلوني بسببها.
أما عندما أرسلت الحكومة السودانية مسؤولين لزيارتي, فقد قام الأميركيون بتصفيدي بالأغلال ورشي برذاذ الفلفل الحار قبل أن يتركوني أقابل مسؤولي وزارة الخارجية السودانية, أحدهما يدعى خالد والآخر عثمان، اللذين طرحا علي بعض الأسئلة وقالا "ليست هناك أي تهمة ضدك ونوصيك بالصبر".
المصدر: الجزيرة *******************************
رسالة جديدة من مصور الجزيرة المعتقل بغوانتانامو
حصلت قناة الجزيرة على رسالة من سامي محيي الدين الحاج مصورها المعتقل في غوانتانامو وجهها لمحاميه البريطاني كلايف ستافورد سميث مطلع الشهر الحالي.
والمحامي سميث هو صلة الجزيرة وعائلته الوحيدة به، ورغم صفته القانونية لم يتمكن سميث من زيارة سامي سوى ثلاث مرات فقط في معتقله الذي يقبع فيه منذ نحو أربع سنوات دون توجيه تهم رسمية له ودون محاكمة.
وفي رسالته يتساءل سامي الحاج عن سبب اعتقاله، وعن أسباب العقوبات التي يتعرض لها هو وزملائه المعتقلين هناك، ويكشف صنوفا أخرى من التعذيب الذي شاهده في المعتقلات الأميركية التي نقل إليها بعد اعتقاله أواخر عام 2001، بدءاً من قاعدة بغرام مرورا بسجن قندهار وانتهاء بسجن غوانتانامو وانتهاكاته التي تتستر عليها الإدارة الأميركية.
عزيزي كلايف
دعني أخبرك عن سؤال يحيرني: لماذا أعاقب؟
لماذا أعاقب؟
باتت هذه الكلمة تدور بوجداني كما تدور الرحى، فتطعن هذا القلب. بت أقلب خاطري في كل ناحية ووادٍ علني أجد ضوءاً أو ذكرى تسليني عما أنا فيه، أو يطلع علي هذا الصباح الباسم بثغره الوضاء.
كم يعيش السجناء، ولاسيما الأبرياء منهم، في غياهب السجون الموحشة الظالمة فتخدش عندهم معاني الإنسانية التي يحملونها بدواخلهم بسبب العقوبات الصارمة التي لا سبب لها. فعقوبة تتلوها عقوبة وكأن المسجون في بحر أمواجه متلاطمة قد تمزق مراراً وكتمت أنفاسه غصة من أجاج هذا البحر.
ويستمر برنامج العقوبات مع هذا المسجون سنيناً من القهر وأعواماً من الظلم. وكم تصطك هذه الكلمة في أذن السجين ويسمع لها رنيناً مزعجاً.. لماذا أعاقب؟
بدأت قصتي مع العقوبات من سجن بغرام حيث كان لا يسمح لنا بالذهاب لقضاء الحاجة إلا مرتين يوميا -بعد الشروق وقبل الغروب- ولن تستطيع الذهاب إلا حين يأتي دورك.
وأذكر مرة أني كنت "محصوراً"، فاستأذنت من الذي أمامي همساً حتى يسمح لي بأن أذهب قبله، وإذا بالجندي يصرخ في وجهي غضبان "نو توك" أي لا تتحدث، تعال هنا. ويشير إلى الباب وهناك يعلقني من يدي على السلك وأظل واقفاً طوال النهار أنتفض من شدة البرد، حتى أتبول على ثيابي فيسخر مني الجنود وتضحك علي المومسات.
ثم قندهار.. في عز الصيف والشمس في كبد السماء والأرض تغلي، يصيح أحد الجنود: أنت قف وذاك وثالث ورابع، لماذا تتكلمون؟ اجثوا على ركبكم وضعوا أيديكم على رؤوسكم، ثم يتركنا تحت حر الشمس وحرارة الحصى على ركبنا حتى يغمى على أحدنا فيقوم الآخرون بإسعافه.
بعد وصولنا إلى خليج غوانتانامو بأسبوع واحد جاؤوا في الصباح الباكر آمرين كل معتقل أن يخرج يده من النافذة الصغيرة التي يقدم منها الطعام لكي يحقن بمصل يزعمون أنه ضد التيتانوس.
وعندما جاء دوري أخبرتهم أني قبل أن أغادر الدوحة أخذت تطعيماً ضد التيتانوس والحمى الصفراء والكوليرا وغيرها من الأمراض، وأن الطبيب يومها أخبرني أن هذا التطعيم يسري مفعوله مدة خمس سنوات، لذا فأنا لا أحتاج للتطعيم مرة أخرى. فصاح الضابط في وجهي "لا تناقش. أخرج يدك للتطعيم وإلا أخرجناك بالقوة. قلت له: لن أخرجها".
تركوني ثم أعادوا علي الكرة بعد انتهائهم من العنبر وأصررت على عدم أخذها ثانية. وأخيراً عاقبوني بسحب جميع أغراضي الموجودة داخل زنزانتي من البطانية وحتى فرشاة الأسنان وتركوني أنام على الحديد ثلاثة أيام بلياليهن.
فتساءلت: لماذا أعاقب؟! هل العلاج إجباري؟ وهل أصبحنا كالقطيع من الأغنام نساق ونؤسر ونطيع بدون أن نناقش أو نتكلم أو حتى نستفسر؟!!
بل والعجيب أني ذات مرة وفي إحدى الليالي كنت مرهقاً إثر الساعات الطوال التي قضيتها في غرفة التحقيق، فنمت مبكراً. ومن شدة تعبي، أدخلت يدي ورأسي تحت الغطاء، وإذ بي أسمع صياح وصراخ الجندي: أخرج يديك ورأسك من تحت الغطاء. فقمت مفزوعاً، وبسرعة أذعنت لأوامر الجندي، إذ أنه ممنوع علينا أن ننام ورؤوسنا وأيدينا تحت الغطاء.
ثم نمت مرة أخرى وبدأ النعاس يداعب أجفاني، وإذ بالجندي يركل باب زنزانتي ركلاً شديداً بأشد ما يمكن ويتكلم بلهجة شديدة ويصرخ: لماذا تضع المعجون مكان فرشاة الأسنان؟ ويتهمني بأنني أخالف القوانين واللوائح العسكرية، ويطلب مني جمع أغراضي، وتستمر العقوبة أسبوعاً كاملاً!!!.
فقلت في نفسي: لماذا أعاقب؟ وهل هذا سبب كافٍ لكي أعاقب بتجريدي من جميع أغراضي وأظل أتقلب ليلاً ونهاراً على الحديد دون فراش ولا غطاء!!
ذات مرة كنت أتناول وجبة الغداء، وهي عبارة عن وجبة معلبة باردة. وبعد الانتهاء من الطعام جاء الجندي ليجمع بقايا ونفايات الطعام وأكياس الوجبة المغلفة بها. جلس الجندي عند زنزانتي وبدأ يعد أكياس الوجبة ويلصق الجزء المقطوع من الكيس بالجزء الآخر، ثم صرخ في وجهي: أين بقية الجزء المقطوع من الكيس؟ فأخذت أبحث عنه في أغراضي فلم أجد شيئاً. حينذاك اتصل بالإدارة وجاء الجواب بأنه لابد من عقوبة صارمة على السجين حتى يكون عبرة للآخرين، فسحبت جميع أغراضي مدة ثلاثة أيام، وكنت أفكر لماذا أعاقب وماذا عساني أستطيع أن أفعل بهذا الجزء المقطوع من البلاستيك؟!
جمعت الأقدار يوماً بيني وبين جمال اليوغندي ومحمد التشادي وجمال بلاما البريطاني في عنبر واحد، وكنا بجوار بعضنا البعض حيث توافقنا في الزي البرتقالي البغيض، ولون البشرة السوداء. وكان لون بشرتنا السوداء سبباً كافياً يجعل الجنود البيض يتحرشون بنا ويستفزوننا ويهيلون علينا العقوبات، تارة بسبب وتارة بدون سبب.
كانوا دائماً يوقظوننا من النوم بحجة تفتيش الزنزانة، وأذكر أنهم في إحدى الليالي طلبوا مني أن أستيقظ للتفتيش، وعندما دخلوا ولم يجدوا شيئاً سجلوا علي عقوبة مدة سبعة أيام، لأنهم وجدوا ثلاث حبات أرز على الأرض قد تجمع عليها النمل، فقلت في نفسي: لماذا أعاقب؟ لم يكن في الحسبان أن يكون هذا سبب العقوبة!!!
وفي إحدى الليالي وقف أمام زنزانتي جنديان وفي أيديهما سلاسل وقيود وصرخوا وركلوا الباب بشدة حتى قمت من النوم مفزوعا وقيدوني، ثم قاموا باقتيادي من عنبري، أي عنبر "روميو"، حيث وضعوني داخل قفص بعد أن جردوني من كل ملابسي باستثناء القميص والسروال القصير فقط. لا حذاء ولا صابون ولا فرشة ولا شيء....
عندما سألت عن سبب العقوبة، لم أجد جواباً حتى الغد، عندما جاء المسؤول بعد إلحاح، وأخبرني أني معاقب مدة أسبوعين لأن أحد الجنود قد وجد في النافذة الخارجية لزنزانتي مسماراً من الحديد. فقلت للمسؤول: أنى لي بمسمار من الحديد؟ ومن أين آتي به؟ وكيف لي أن أضعه على نافذتي من الخارج؟! ولم؟ غير أنه ولّى هارباً لا يلقي لكلامي بالاً. وظللت أسبوعين جالساً بسبب السروال القصير الذي لا أستطيع الركوع به وإلا انكشفت سوءتي. ونمت على الحديد أربع عشرة ليلة من ليالي الشتاء البارد.
تحرشات الجنود لا تنتهي وتتنوع وتتشكل من وقت لآخر، وأذكر أنهم في أحد الأيام أخبرونا بأن أحد الجنود وضع رجله على القرآن الكريم حتى طبع حذاؤه على كلام الله عز وجل، فثار المعتقلون لدينهم وقرروا أن يعيدوا المصاحف إلى الإدارة الأميركية حتى لا تهان أمام أعيننا، خاصة وقد تعهد الجنرال في المرة السابقة بأن هذه التحرشات لن تتكرر مرة أخرى ثم نكثوا بعهدهم كالمعتاد.
إثر ذلك قرر المعتقلون عدم الخروج من الزنزانة بتاتاً حتى للمشي والاستحمام اللذين هم في أمس الحاجة إليهما، حتى تجمع المصاحف.
كالعادة، جاء المسؤولون يتوعدون ويهددون المعتقلين ولم تمض إلا دقائق معدودة حتى جاءت قوات الشغب البواسل تقتحم على المعتقلين زنازينهم وتقوم بضربهم وربطهم بالسلاسل والقيود، ثم يحلقون لحاهم وشواربهم ورؤوسهم، ثم يرمونههم في الزنزانات الانفرادية.
كأحد المعتقلين جاء دوري. وقاموا بداية برش مادة كيماوية في عيني ثم أدخلوا خمسة جنود وقاموا بضربي ثم أخذوني إلى مكان المشي وهناك طرحوني أرضاً وأمسك أحدهم برأسي وضربه في الأرضية الخرسانية فشجّه، وضربني أخرى فجرح جفني، وغطى الدم وجهي وأنا موثق بالسلاسل والقيود. وعلى هذه الوضعية قاموا بحلق رأسي ولحيتي وشاربي ثم أودعوني في الانفرادية وتركوني أسبح بدمي.
وبعد ساعة جاءني أحد الجنود يسألني من النافذة هل تريد العيادة الطبية؟ فرفضت وظللت أدعو الله عز وجل وأتضرع إليه وأشكوه ظلمهم، وحين شعرت بأنني على وشك أن أفقد وعيي من شدة النزيف طلبت العيادة فجاؤوا، ومن خلال فتحة الطعام التي لا تتعدى ثلاث بوصات في عشر بوصات خيط جفني بثلاث غرز ثم ربط لي رأسي وأعطاني حبوباً مخدرة زاعما أنها مضادات حيوية فنمت من شدة القهر.
وعندما فتحت عيني في اليوم الثاني، عدت أتساءل: لماذا أعاقب؟! نعم.. لماذا أعاقب؟؟!! وهل الذود والدفاع عن الدين جريمة يعاقب عليها السجين؟. وهل مطالبتنا بإرجاع المصاحف للإدارة الأميركية حتى لا تهان أمام أعيننا جريمة؟!. ولماذا أنا هنا؟ هل ذهابي إلى أفغانستان مدة لا تتجاوز أربعة أسابيع وحملي لكاميرا الجزيرة إثر الحرب الإرهابية ضد الشعب الأفغاني الأعزل جريمة أعاقب عليها بالسجن مدة تزيد عن أربع سنوات؟ وخاتمة المطاف أتهم بالإرهاب؟!.
أسئلة كثيرة تدور وتدور في خاطري كما تدور الرحى فتطعن في حقيقة الشعارات البراقة التي يتشدق بها دعاة الحرية ورعاة السلام وحماة الديمقراطية في جميع أنحاء المعمورة.
سامي محيي الدين الحاج |