وأقام الجنوبيون فعالية حاشدة بعدن في الـ14 من أكتوبر/ تشرين الأول للاحتفاء بعيد الثورة ضد الاستعمار البريطاني، أعلنوا من خلالها عن خطوات تصعيد غير مسبوقة، تمثلت في الاعتصام المفتوح والدعوة لإيقاف استخراج الثروات النفطية والسمكية والمعدنية من أراض الجنوب وتسليمها لأياد جنوبية، إضافة إلى إبلاغ الدولة بإجلاء منتسبيها من المحافظات الجنوبية خلال فترة لا تتعدى شهر ونصف.
وعلى الرغم من حالة الإحباط التي قد تملكت الكثير من أنصار الحراك الجنوبي بسبب جمود العمل السياسي وبقاءه على حاله طوال السنوات الماضية، إلا أن هذه الخطوات الأخيرة تبدو أكثر جدّية هذه المرة رغم التباينات المستمرة بين القيادات الجنوبية.
إسهام بغير قصد
ولعل تطورات المشهد السياسي في اليمن وتفاقم الأزمة في صنعاء بعد أن سيطر عليها الحوثيون، قد دفع دولاً إقليمية مجاورة للانفتاح على مطالب الجنوبيين لتقرير مصيرهم، بعد أن تلاشت بوادر الانفراج للأزمة السياسية في صنعاء وازدادت الدولة ترهلاً في ظل التمدد المباغت لجماعة الحوثي وتمددها إلى وسط البلاد وعلى مقربة من المحافظات الجنوبية دون أي مقاومة حكومية تذكر.
وقد تكون جماعة الحوثي أسهمت بشكل غير مباشر ودن قصد في إلهام الجنوبيين إلى تحركاتهم السياسية الأخيرة للتوجه نحو الانفصال، حيث يقول الكاتب منصور صالح أن ثمّة من يرى من الجنوبيين أن جماعة الحوثي قد مهدت الطريق وجعلته معبّداً للسير نحو تحقيق هدف فك الارتباط الذي ظل قطاع واسع من الجنوبيين يناضلون للوصول إليه منذ العام 2007، ويعتبرون أن الحوثيين قد أسدوا للجنوبيين خدمة القضاء على ألد خصومهم الذين شكّلوا في الماضي تحالفاً قبلياً وعسكرياً وسياسياً ضدهم".
وأشار في حديثه لـ"إرم" إلى أن هذا الجناح من الجنوبيين يأمل في استثمار مخاوف دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية من توسع النفوذ الإيراني بالالتفاف جنوباً ودعم استقلال الجنوب عن الشمال، بعد أن ظلت تتجاهله خلال السنوات الماضية.
مردفاً: "هناك أيضا جناح آخر من الجنوبيين لديهم مخاوف من مواصلة الحوثيين لتوسعهم جنوباً عبر اجتياح عسكري، ويبررون مخاوفهم بأن خطاب زعيم جماعة الحوثيين فيما يتعلق بالوحدة وحق الجنوبيين في استعادة دولتهم لم يختلف عن سابقيه، إذ يضعها في خانة القضية الحقوقية التي تحتاج إلى معالجات عادلة فقط دون التطرق إلى مطالب الجنوبيين باستعادة دولتهم.
وقال صالح إن المعطيات والوقائع السابقة تشير إلى ارتفاع نسبة الأمل لدى الجنوبيين في تحقيق مطلب فك الارتباط، خاصة في حال نشوب صراع حقيقي بين جماعة الحوثي والرئيس اليمني الجنوبي الأصل عبدربه هادي، إن لم يكن هنالك ما يدور في الكواليس.
وجود غير فعلي
وكان عدد من القيادات السياسية لجماعة الحوثي قد وصلت إلى عدن مساء الاثنين مستبقة إقامة الفعالية الكبرى في الجنوب، غير أن اللجنة التحضيرية للفعالية رفضت لقائهم ورحبت بهم كضيوف فقط، وسط مخاوف جنوبية من تمكنهّم للوصول إلى مناطق جنوبية نفطية وصناعية خلال موجة توسعهم المتدفّقة.
من جانبه، يعتقد الصحافي المتخصص في شؤون الحراك الجنوبي حسين حنشي إن ما يحدث في الجنوب هي مجرد أعراض جانبيه فقط لما يحدث في الشمال، فالرئيس المنحدر من الجنوب يحاول تحصين الجبهة الجنوبية واستخدامها كعمق ضد الحوثيين.
وأوضح أن الحوثيين وحلفائهم الإيرانيون أذكى من مسألة تواجدهم في الجنوب فعلياً كأفراد، "فكل ما في الأمر أن الحوثي سيفرض واقعاً في الشمال ينعكس على حلفاء إيران في الجنوب.
ولفت الحنشي في حديثه الخاص لشبكة إرم، إلى أن هناك فصائل جنوبية موالية لإيران، هي مستكينة الآن، وستتحرك لاحقاً لتكون هي الأقوى في الجنوب مستمدّة قوتها من انتصار الحوثي على خصومه في الشمال، لا سيما سلطة الرئيس هادي.
الخصوم يلجئون للنقيض
ودفعت سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى في الشمال بالخصم الأكبر لهم التجمع اليمني للإصلاح إلى "التأييد المطلق للقضية الجنوبية وحق تقرير المصير" بعكس توجهاته الوحدوية السابقة.
ويرى المحلل السياسي عبدالرقيب الهدياني أن "موقف حزب الإصلاح في عدن ينطلق كنتيجة طبيعية لسقوط عاصمة دولة الوحدة بيد المليشيات المسلحة لجماعة الحوثي القادمة من كهوف التاريخ وصعدة - شمال الشمال -، فعندما ترى العاصمة والمحافظات تتساقط تباعاً بطريقة مريبة بيد هذه المليشيات يكون لزاماً عليك أن تسعى للاحتفاظ بالجزء الجنوبي من هذا الوطن الكبير الذي ينهار.
وقال الهدياني لـ"إرم" كلما فقد الناس أملهم بإمكانية قيام اليمن الفيدرالي الكبير عادوا للتموضع من جديد في كياناتهم الشطرية الأصغر، وهذه ردة فعل غريزية وطبيعية في الحياة.
لكنه أكد أن الجنوب بات أكثر إيماناً من أي وقت مضى بضرورة الانفصال، إلا أن القرار يحتاج إلى قناعة إقليمية ودولية لتحقيق ذلك على الأرض، "ويبدو لي أنه لن يتوفر على المستوى المنظور والقريب".