كشف نيكوس ريتسوس، أستاذ العلوم السياسية المتقاعد في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة، عن تفاصيل ما أسماه المخطط الأمريكي لإجهاض الثورة المصرية بالتعاون مع المجلس العسكري الحاكم في مصر.
جاء ذلك في تصريحات أطلقها ريتسوس حول الأحداث في مصر منذ قيام ثورة 25 يناير 2011م، ونشرتها صحيفتا تليجراف البريطانية، وديلى ستار اللبنانية باللغة الانجليزية.
وتحدث الكاتب عن وجود شراكة بين المجلس العسكري في مصر والولايات المتحدة والكيان الصهيوني من أجل إعادة إنتاج نظام مبارك بمسميات تتلاءم مع الربيع العربي، مشيرا إلى أن المرشح لانتخابات الرئاسة المصرية أحمد شفيق هو الخيار الاستراتيجي الجديد للولايات المتحدة والكيان الصهيوني بالشراكة مع المجلس العسكري مجتمعين وفرادى.
كما تحدث الكاتب عن دور أمريكا في شيطنة الثورة وإجهاضها وإثارة التشكيك والتخوين بين القوى الثورية، وكيف تلعب المخابرات الغربية بالمصريين من خلال حرب نفسية تهدف لتشتيت الإرادة والوحدة، والهدف هو: إعادة إنتاج النظام القديم.
شفيق.. الخيار المفضل لأمريكا والكيان
ووفقا لما نقلته صحيفة "ديلى ستار" عن ريتسوس، فقد "سقط مبارك وكان هناك شخص آخر مستمر في الصعود هو، أحمد شفيق، آخر رؤساء وزاراته وهو الآن الخيار المفضل لدى الولايات المتحدة و(إسرائيل) والمجلس العسكري الذي يعتمد تماما على الولايات المتحدة في الدعم والإمدادات والتدريب والتمويل".
ويضيف ريتسوس: "لكن يبقى سؤال راودني: إذا كان قد حكم على مبارك واتهم في قتل 900 شهيد.. فلماذا لم يتم الحكم على رئيس وزرائه في ذاك الوقت أحمد شفيق، أليس هو الآخر مسئول وبدرجة مماثلة؟!".
ويرى أن محاكمة مبارك كانت مظهرية للترضية والالتفاف على الرأي العام بينما من وراء الستار كانت الولايات المتحدة والمجلس العسكري يعدون رئيس وزراء مبارك ليستبدله ويستمر عهده بكل معانيه، ولا أشك في أن مبارك سيتم تبرئته عقب الانتخابات لانعدام الأدلة.
وراهن أستاذ العلوم السياسية على أن "جنرالات المجلس العسكري سيستمرون ليكونوا أصحاب الكلمة الأخيرة والفصل، لتذهب مصر في الاتجاه الذي يقررونه هم وحدهم".
واعتبر أن "عهد مبارك لم ينته بعد، وإنما جار إعادة صياغته وتشكيله ليتلاءم مع سياسات (إسرائيل) والولايات المتحدة ويتم هذا بواسطة المجلس العسكري".
وخلص إلى أن "ما يجرى الآن هو إعادة تعبئة عهد مبارك في صندوق يتلاءم مع الربيع العربي وإعادة بيعه للمصريين مرة أخرى".
الثورة المصرية وخدعة الساحر
وفي تعليق نشرته صحيفة "تليجراف" قال ريتسوس: "لقد عاش المصريون ربيعا عربيا تحول إلى ثورة، ظنوا أنهم قد انتصروا، احتفلوا وتذوقوا طعم البهجة، لكن فجأة اختفت الثورة، ويبدو الآن أن الثورة كانت مثل خدعة الساحر: (تراها الآن، ولا تراها الآن)".
ورأى أنه "تم احتواء الثورة من قبل المجلس العسكري امتثالا لطلب الولايات المتحدة باحتواء ما قد يلحق من ضرر لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط".
وقال إن "الرئيس السابق حسني مبارك تعهد بعدم الاستقالة خلال الاحتجاجات الواسعة والمستمرة، وكانت الولايات المتحدة تخشى قيام انقلاب عسكري من قبل صغار الضباط كما حدث في عام 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، ولمنع هذا فقد أمرت الولايات المتحدة الجنرالات بالإطاحة بمبارك، وقد ظهر مبارك عقب ذلك في حالة نفسية سيئة على الشاشة حين تم اصطحابه لطائرة هليكوبتر عسكرية تحت حراسة لوضعه قيد الإقامة الجبرية في استراحته بمنتجع بسيناء. ثم ظهر نائبه عمر سليمان"على شاشة التلفزيون ليقول للمصريين أن الرئيس مبارك قد تنحى من منصبه، وهو ما لم يحدث في الواقع، ولكن المجلس العسكري الحاكم طالب مبارك بالحفاظ على الهدوء أو السجن مدى الحياة".
وقال ريتسوس إن جنرالات الجيش المصري استجابوا لأوامر الولايات المتحدة لعدة أسباب أولها أنه بدون أسلحة الولايات المتحدة، والمستلزمات، والتمويل وقطع الغيار سيصبح الجيش المصري بلا غطاء.
وتمثل ثاني هذه الأسباب في أن الولايات المتحدة ساعدت جنرالات الجيش المصري في السيطرة على قطاع واسع من الصناعات التي يقدر خبراء بنحو 20٪ من الاقتصاد المصري.
خطط أمريكا لإفشال الثورة
وكشف البروفيسور الأمريكي أنه "عندما أمرت الولايات المتحدة المجلس العسكري المصري بإسقاط مبارك فإن الولايات المتحدة كان لديها خطط أخرى لإفشال الثورة والحفاظ على الوضع الراهن كما هو".
وأوضح قائلاً: "لقد خصص الكونجرس الأمريكي على الفور ملايين الدولارات لتمويل المنظمات غير الحكومية، مثل المعهد الجمهوري الدولي، المعهد الديمقراطي الوطني، وبيت الحرية بالتزامن مع المنظمات الأوروبية غير الحكومية الأخرى، والتي مهدت الطريق لشيطنة الثورة المصرية".
وأضاف أنه "في ظل وفرة المال الأمريكي ودعم المنظمات غير الحكومية ودعم كامل من المجلس العسكري، صعد أحمد شفيق رئيس وزراء الرئيس السابق إلى القمة".
وتابع: "لقد قلبت الولايات المتحدة الثورة المصرية مثلما تقلب قطعة نقود، فقد توارى جانب مبارك وصعد جانب شفيق وخرجت الولايات المتحدة فائزة بالرهان، والهدف النهائي هو منع مصر من أن تصبح جمهورية إسلامية مثل إيران".
اختطاف الثورة الليبية
ورأى أن "جهود الولايات المتحدة لاختطاف الثورة المصرية لم تكن الأولى في المنطقة العربية بل هي الثانية؛ حيث بذلت واشنطن جهدا مماثلا في اختطاف الثورة الليبية من خلال إجبار المجلس الوطني الانتقالي على تعيين اثنين من المواطنين الأمريكيين من أصول ليبية وهم: محمود جبريل رئيسا للوزراء، وخليفة هفتار القائد الأعلى للجيش الليبي الجديد".
وقال: "لقد تم طرد جبريل و هفتار من منصبيهما بعد أن كشفهما كاتب هذه المقالة في ديسمبر الماضي 2011م على صفحات (الفيس بوك) و(راديو 17) في ليبيا وعدد من الصحف العربية".
وأضاف: "على عكس ليبيا؛ ففي حالة مصر لا يوجد قادة من المتمردين لإنقاذ الثورة، فبعد أن أزاح جنرالات الجيش المصري مبارك وسيطروا على مقاليد الأمور، أصبح المصريون في حالة من الغليان ضد المجلس العسكري الحاكم، لكن المجلس يقوم بتكسير جماجمهم وعظامهم تحت ذريعة الاستقرار".
واعتبر ريتسوس أن "المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر هو (أوجوستو بينوشيه) الجديد للولايات المتحدة في القاهرة، واختيار الولايات المتحدة للرئاسة المصرية هو: أحمد شفيق".
وقال: "خلال الصراع بين صربيا وكوسوفو قال السناتور الأمريكي جون ماكين للصحفيين (إن الولايات المتحدة هي قوة عظمى ولا يمكن أن تخسر)، وكذلك فإن الولايات المتحدة لا يمكن أن تخسر في مصر على حد سواء".
واختتم الكاتب مقاله قائلا: "لقد أمسكت الولايات المتحدة بخناق المجلس العسكري، وضغط المجلس العسكري بمصالحه وبذراعه الغليظة على خناق الثورة". |