2leep.com

عظماء منسيون (1) : المجاهد البطل أحمد بن عرفان الشهيد

عرض القصة

 

  الصفحة الرئيسية » ركـــن القـصــص » عظماء منسيون في التارخ الحديث

اسم : عظماء منسيون (1) : المجاهد البطل أحمد بن عرفان الشهيد
كاتب : د/د. محمد بن موسى الشريف
عظماء منسيون (1) : المجاهد البطل أحمد بن عرفان الشهيد
04/01/1431 الموافق 20/12/2009

د. محمد بن موسى الشريف
المشرف العام على موقع التاريخ
سأكتب في هذه السلسلة من المقالات إن شاء الله تعالى عن شخصيات عظيمة من التاريخ الحديث، لكنها مغمورة عند أكثر القراء، وإن عرفوا الأسماء فما عرفوا الأعمال، وإن اطلعوا على شيء من الأعمال فقد فاتهم جملة مهمة منها، وأعني بالتاريخ الحديث هو ما بعد بدء الحملات الاستخرابية (الاستعمارية) على العالم الإسلامي في القرنين، الثالث عشر، والرابع عشر الهجريين التاسع عشر والعشرين الميلاديين ، فبعض العظماء ممن عاش في هذين القرنين كان لهم جهد مميز لكن لا تعرف شخصيته عند الكثير من القراء في هذا العصر؛ لذلك سأميط اللثام عن جهوده وتميزه في هذه الحلقات.. إن شاء الله.
وأبدأ بشخصية جليلة، كان لها الأثر العظيم في الجهاد في الهند، وإعزاز المسلمين هنالك، ألا وهو المجاهد أحمد بن عرفان الشهيد، وهو من أسرة عريقة شريفة لها صلة بعظماء الهند من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان لهم جهد ملحوظ في إقامة الشريعة في الهند وتربية المسلمين.
نشأته
ولد في بلدة "راي بريلي" بالقرب من "لكنؤ" في الهند سنة 1201هـ أول القرن الثالث عشر الهجري، وتوفي في وادي "بالا كوت" شهيداً إن شاء الله سنة 1246هـ /1831م، ورغم أن عمره قصير؛ لكنه كان حافلاً بجلائل الأعمال.
ولد والهند في قبضة الإنجليز، يمتصون خيراتها، وينهبون ثرواتها، ويذيقون المسلمين صنوف العذاب، ويضيّقون عليهم في مدارسهم ومساجدهم، ويمنعونهم من المناصب العالية، ويقربون الهندوس منهم، بل مالئوا الهنادكة والسيخ في عداوتهم للمسلمين، ومكّنوهم من رقابهم، ولذلك فقد عاش في ظل أحوال صعبة، فماذا صنع يرحمه الله؟
طلب العلم في "الكتّاب" في صغره، لكن نفسه لم تمِل إلى الدراسة؛ فسرعان ما غادر المدرسة، وكانت همته في الجندية وأعمال الفروسية، والضرب والطعن، والرياضة من سباحة وبناء الجسد، وغير ذلك.
التحاقه بالجهاد
ولما بلغ من العمر عشرين سنة ذهب إلى "لكنؤ" ليلتحق بمعسكر للجهاد فيها؛ لكن نفسه كانت تتوق للذهاب إلى "دهلي" -وليس "دلهي" التي حرف اسمها الإنجليز- حيث "مدرسة آل الدهلوي" الذين كان على رأسهم مصلح الهند الكبير "شاه ولي الله الدهلوي" ولم يدركه؛ لكنه أدرك ولديه اللذين رحبا به أعظم ترحيب لمّا عرفاه، فمكث ينهل من العلم والعبادة والزهد والتربية حتى تاقت نفسه للجهاد الذي خلق له، فذهب إلى معسكر النواب أي نائب السلطنة "ميرخان" واجتهد في المعسكر هذا، وتعلم ألواناً من فنون القتال، لكن نفسه لم تطب فيه بسبب أن "ميرخان" كان يقاتل للمغنم، وليس له هدف واضح، وقد هادن الإنجليز فانسحب من معسكره، وأقبل على إفادة الناس ودعوتهم إلى الحق، وقد استجاب له عدد كبير، وكان منهج دعوته يقوم على إنكار البدع الكثيرة التي كانت في المسلمين بسبب اختلاطهم بالهنادكة، وعلى إرجاع المسلمين إلى كتاب ربهم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتعليم الجهّال أصول دينهم وفروع شريعتهم التي يحتاجون لها، وقد أصلح الله على يديه عشرات الآلاف ممن تاب وأناب، وأسلم على يده من الهنادكة جملة كبيرة.
رحلته إلى الحج
ثم إنه أعلن في كل أنحاء الهند سنة 1236هـ أنه يريد الحج إلى بيت الله الحرام، وأنّ من لا زاد له فزاده عليه، فاجتمع عنده عدد متوسط يقدر بأربعمائة حاج، وكان عدد من المشايخ مما لا فقه في واقع زمانه قد أصدر فتاوى بإسقاط الحج عن مسلمي الهند بدعوى عدم الاستطاعة؛ بسبب أخطار الطريق، وفاتهم أن الحج قد قام به ملايين من الهنود قبل ذلك وفي أحوال مشابهة لكن كان للإنجليز أثر في إصدار عدد من هذه الفتاوى لأنهم وأمثالهم من المستخربين (المستعمرين) يحرصون على إبقاء المسلمين بعيداً عن الصلة بإخوانهم، عن طريق منعهم من الحج، أو التضييق عليهم تضييقاً كبيراً، أو بلبلة المسلمين بنشر شائعات عن أمراض معدية في الحجاز أو أخطار محدقة بالطريق، وهكذا حتى لا يحجَ المسلمون، ويتصلوا بإخوانهم.
وانطلق السيد أحمد بن عرفان الشهيد من بلدته "راي بريلي" بمن اجتمع معه، ومروا في طريقهم بعدد من المدن أقاموا في كل واحدة منها مدة يدعون إلى الله تعالى، ويصلحون بين الناس، ويذكرونهم بالله، حتى تاب آلاف مؤلفة في "مرزابور"، و"بنارس"، و"كلكتا"، وغيرها.
وقد حدثت له طرائف في "مرزا بور" فمن ذلك أنهم أرادوا إفراغ حمولة الباخرة فتأخر الحمّالون، وكان من العيب أن يباشر الأشراف والوجهاء والأغنياء الذين رافقوا في الحملة العمل بأنفسهم؛ فشجعهم وابتدأ العمل بنفسه، وأنزلوا حمولة المراكب والناس ينظرون إليهم في دهشة؛ لأن هذا لم يكن معتاداً في الهند، ولما رأى الحمّارون أي سائقو الحمير ذلك التواضع دعوا السيد أحمد إلى بلدتهم فأجابهم، وكان ذلك صدمة للأغنياء والوجهاء والأشراف الذين رجوه ألا يصنع، وأن مؤاكلة الحمّارين عيب كبير لكنه بيّن لهم أن هؤلاء يقومون بخدمة جيدة، وأن الأنبياء كانوا يركبون الحمير فأي ضير في إجابة دعوتهم؟ وحضر وليمتهم فأثابوه بعدها بأموال وهدايا فرفض أن يأخذ منها شيئاً؛ حتى لا يظن أنه إنما صنع ذلك للدنيا.
وهكذا كان يرحمه الله يغير التقاليد البالية بنفسه، حتى أنه لما تزوج أرملة أخيه "إسحاق" قام عليه الأشراف؛ وذلك لأن المسلمين في الهند تأثروا بالهنادكة في عدم التزوج من الأرامل، فأبطل هذه السنة السيئة بنفسه يرحمه الله.
توبة الألوف
وفي "كلكتا" تأخر ركب الحج قليلاً لإنجاز إجراءات السفر، فاستغل السيد ذلك ودعا إلى الله هو ومشايخ معه حتى تاب على أيديهم ألوف، وتركوا معاقرة الخمر التي كانت شائعة، حتى أغلقت كثير من الحانات، وكسد سوق الخمر فجاء تجارها إلى الحاكم الإنجليزي يطلبون منه إسقاط الضرائب عن الخمور لكساد سوقها فوافقهم لكن إلى حين خروج أحمد بن عرفان من كلكتا.
وفي أثناء تنقله من مدينة إلى مدينة جاءه وفد من مسلمي "التبت" فقراء يريدون الحج معه، فقال لهم : أنتم لا تستطيعون لفقركم. ودلهم على خير من ذلك ألا وهو الرجوع إلى التبت للدعوة، فأخبروه أنهم جُهّال، فعقد لهم دورة شرعية وإيمانية عادوا على إثرها دعاة، وجوبهوا في التبت بمحن وشدائد؛ لكن في النهاية انساق كثير من الناس لدعوتهم، وانصلح حالهم، وأسلم من أسلم، وانتقلت الدعوة من "التبت" إلى "الصين"، وكان في مشورة ابن عرفان الخير الكثير.
ثم تحرك الركب من "كلكتا" إلى الحجاز للحج وعادوا فرحين، وامتدت مدة غيابهم قرابة ثلاث سنين؛ بسبب وقوفهم في أماكن عديدة للدعوة وتربية الناس وهدايتهم مدداً طويلة نسبياً، وأعاد الله بهذا الحج الثقة للمسلمين بسلامة درب الحج.
إمارة إسلامية
ثم لما عاد من رحلة الحج سنة 1239هـ أخذ في دعوة الناس كعادته هو ومن معه لكن نفسه تاقت للجهاد، خاصة أنه وصلت إلى مسامعه أنباء المجازر التي يقيمها السيخ للمسلمين في "البنجاب"، فأعد العدة ونادى في ربوع الهند بالجهاد في سبيل الله، واشتاقت النفوس، وسابق الأبناء الآباء، وتحرك بركبه يريد بلاد الأفغان يستنصرهم، لكنه وجد من بعض أمرائهم صدوداً؛ فعاد في رحلة شاقة جداً إلى بيشاور، واصطدم مع السيخ في معارك انتهت بانتصاره وتأسيس إمارة إسلامية في بيشاور، فوطد دعائم الأمن، وجبى الزكاة، وأقام الإسلام حتى تذكر الناس دولة الإسلام الأولى.
استشهاده
وأقام على ذلك أربع سنين تقريباً، لكن خيانة بعض أمراء الأفغان ضيقت عليه؛ حتى أنهم قتلوا القضاة والمشايخ والدعاة الذين أرسلهم السيد أحمد للدعوة في تلك البلاد فكانت صدمة عنيفة له، يضاف إلى هذه الهموم فتاوى مشايخ السوء الذين أفتوا بأنه وهابي، وأن قتاله جائز بل مطلوب، مما جعل عدداً من أتباعه ينفضون عنه، وهاجمه أمراء من الأفغان، فعزم على ترك بشاور واتجه إلى البنجاب وقاتل السيخ بزعامة قائدهم "رنجيت سيخ" وانتصر عليهم.
لكن المؤامرات ضده كانت مستمرة، فعقد العزم على التوجه إلى كشمير حيث دعاه أمراؤها ووعدوه النصرة، فخرج من البنجاب في طريق محفوفة بالأخطار، واتجه إلى كشمير لكن خانه بعض جنده المسلمين، ودلوا السيخ على قافلته فهاجموها في وادي "بالاكوت" في ذي القعدة من سنة 1246هـ/1831م، وقاتل هو ومن معه قتال الأبطال حتى استشهد وهو لابس كفنه، مقبل على ربه هو ورفيق دربه "الشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن شاه ولي الله الدهلوي"، وعدد من أمرائه وجنده، بعد أن هجم عليهم السيخ بجنود كثيرين.
واعتصم من بقي من جنده بالجبال، وواصلوا الجهاد في أحوال صعبة جداً وبرد شديد وجوع وتعب؛ لكنهم صبروا وثبتوا سنوات حتى قضى الإنجليز على جهادهم، وحاكموهم محاكمات طويلة ظهرت فيها ضروب من ثباتهم، وصنوف من عزتهم ما كانت لتخطر على بال أعدائهم، ولقد كان الواحد منهم يقدم على الإعدام أو السجن المؤبد راضياً صابراً ثابتاً، مما يدل على تربية أصيلة، وفهم جليل، وإقبال على الله وتجرد وإخلاص، نحسبهم كذلك والله حسيبهم.
هذا ومن أراد الاستزادة من الاستفادة، فليقرأ الكتاب الفذ الذي ألفه الأستاذ الكبير "أبو الحسن الندوي" يرحمه الله تعالى وغفر له "إذا هبت ريح الإيمان" فمن قرأه مقبلاً بعقله وقلبه يُرجى أن تهب ريحه، وأن يعظم عمله، وأن يقتدي بفعال ذلك المجاهد الكبير، الذي حركه الله للعمل في وقت مات فيه الأمل، واضمحل العمل إلا من قليل كان منهم ذلك المجاهد الفذ والبطل العملاق.
تلك كانت دعوة أحمد بن عرفان الشهيد جهاد باللسان، توجه للجهاد بالسنان، وهداية وإرشاد، وتربية وتعليم، ونقض العادات السيئة وإبطالها، وإعزاز للمسلمين، وبث للثقة في قلوبهم، وصبر على مشاق الطريق، وتضحية بالنفس والنفيس، فلو لم يكن له بعد ذلك من هذا كله إلا تثبيت رحلة الحج واستمرارها، وجهاد السيخ الذين كان من ورائهم الإنجليز، وهداية عشرات الآلاف من المسلمين والهندوس على يده، لو لم يكن له إلا ذلك لكفاه، فكيف وقد أضاف إليه ما ذكرته، فرحمه الله رحمة واسعة، وتقبله في الشهداء.
غير معروف

تاريخ الاضافة: 18-01-2011 07:16

الزوار: 1359

طباعة


التعليقات : تعليق
« إضافة تعليق »
اضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
2 + 1 = أدخل الكود

RSS

Twitter

Facebook

Youtube

wewe