المسارعة الى الخيرات
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فاللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما يحب ربنا ويرضى ، لك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد اذا رضيت ، ولك الحمد بعد الرضى ، ولك الحمد على كل حال.
أحبتي في الله ...
ان من شأن المسلم أن يسارع في الخيرات، وأن يبادر بالأعمال الصالحة، وأن يستغل أيام عمره لمضاعفة الحسنات ومحو السيئات ، وشأنُه في ذلك كشأن التاجرِ الذي يترقب المواسمَ ويتحينُ الفُرصَ للحصول على الربحِ الكبيرِ والجزاء العظيم.
فالمسابقة في الخيرات من أعظم القربات إلى الله عز وجل كيف لا وقد بين الله سبحانه وتعالى فضل المتصفين بهذه الخصلة الكريمة في أكثر من آية في كتابه الكريم ، فمن ذلك قوله جل ذكره : {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ، ففي هذه الآية حث من المولى - جل وعلا - للمبادرة لطاعته وطاعة رسوله r لاغتنام مغفرة عظيمة للفوز بالجنة التي عرضها السموات والأرض , أعدها الله – جل في علاه - للمتقين أسأل الله - بمنه وكرمه- أن يجعلني وإياكم منهم .
وقد كان النبي r يبعث روح التنافس بين أصحابه ، فتشعل شرارة العزم لتحرق مخزون الكسل ويبزغ فجر العمل. ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم رحمه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : (( من أصبح منكم اليوم صائما ؟ )) قال أبو بكر : أنا ، قال: (( فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ )) قال أبو بكر: أنا ، قال : (( فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟ )) ، قال أبو بكر : أنا ، فقال رسول الله r : (( ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة )).
ترى بأي حال عاد الصحابة بعد سماع هذه البشارة ؟ لا بد أنهم عادوا بعزم جديد وسعي حثيث ، يبغون ما أدركه أبو بكر من أجر واغتنام مااغتنم ، وكانت هذه الأسئلة شارة البدء في انطلاق التسابق في حرث الآخرة دون تسويف أو تؤدة ، وكما صح عن النبي r أنه قال : (( التؤدة في كل شئ إلا في عمل الآخرة )).
والعبد المؤمن – أيها الأحبة – يبادر بالأعمال الصالحة حتى يتقبل الله عزوجل منه ويحبه ويلقاه يوم القيامة وهو عنه راض ، ففي الحديث القدسي : (( ولا يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه ... الحديث )) ، وحتى يختم الله عز وجل له بخاتمة حسنة كما صح عنه r أنه قال : (( إذا أراد الله بعبد خيرا عسله ؟ قيل : وما عسله ؟ ، قال: يفتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله )) ، { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.
وأختم – أيها الأحبة - بقصة واقعية ذكرها أحد الدعاة عن ما حدث في منطقة الرياض ، عن رجل كبير في السن ، تجاوز الستين من عمره ,كان يُقال له المؤذن الأول وما ذلك إلا لأنه كان يدخل المسجد قبل أذان الفجر بساعة ، ويصلي حتى الفجر واستمر على هذا الوضع فترة طويلة ... وفي يوم من الأيام دخل المؤذن الرسمي للمسجد ، ورأى رجل ساجد وعرف أنه ذلك الرجل الذي كان يدخل المسجد قبل الفجر بساعة ، ولكن العجيب أن ذلك الرجل العابد أطال السجود ... يقول المؤذن : فظننت أنه نائم وانتهيت من الأذان لصلاة الفجر ومع ذلك لم يقم ذلك العابد من سجوده فلما اقتربت منه وناديته ... لم يرد علي ...فتبين لي أن الله قبض روحه الله وهو ساجد.
فهذا رجل صدق مع الله – جل في علاه – فانظروا رحمني الله وإياكم كيف كافأه الله – تبارك وتعالى -.
أسأل الله - بمنه وكرمه - أن يجعلني وإياكم من المسارعين إلى الخيرات.
هذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
جمعها ورتبها
الراجي عفو ربه |