حسن البنا
أيّ قلم يحيط وصفه ببعض نواحي تلك العظمة النبوية؟ وأية صحيفة تتسع لأقطار هذه العظمة التي شملت كل قطر، وأحاطت بكل عصر، وكتب لها الخلود أبد الدهر، وأي مقال يكشف لك عن أسرارها وإن كتب بحروف من النور، وكان مداده أشعة الشمس؟ على أنك تعجب حين ترى هذه العظمة التي فرعت الأوصاف، وتعالت عن متناول الألسنة والأقلام والعقول والأفهام ماثلةً في كل قلب، مستقرة في كل نفس، يستشعرها القريب والبعيد، ويعرف بها العدو والصديق، وتهتف بها أعواد المنابر، وتهتز لها ذوائب المنائر.
ألم ترَ أن الله خلَّد ذكرَه ** إذ قال في الخمس المؤذن: أشهدُ
وشَقَّ له من اسمه ليحله ** فذو العرش محمود وهذا محمد
وإن العظيم ليكون عظيمًا بإحدى ثلاث: بمواهب تميزه عن غيره، وتعلو به عمن سواه، وتجعله بين الناس صنفًا ممتازًا مستقلا بنفسه، عاليًا برأسه، يجل عن المساماة، ويعظم على المسابقة، أو بعمل عظيم يصدر عنه، ويعرف به، ويعجز الناس عن الإتيان بمثاله أو النسج على منواله، أو فائدة يسديها إلى الجماعة وينفع بها الناس.
وبقدر ما يكون العظيم متمكنًا من وصفه مفيدًا في إنتاجه بقدر ما تكون درجته من العظمة، ومنزلته من التقدير، ولهذا تفاوتت منازل العظماء، واختلفت مراتبهم؛ فمنهم سابق بلغ ذؤابات العظمة، ومقتصد بلغ من حدودها ما يرفعه إلى مصاف العظماء، ومقصر كان نصيبه منها أن نسب إليها ولصق بها أو لصقت به.
والناس ألف منهمُ بواحد ** وواحد كالألف إنْ أمرٌ عَنا
كذلك يكون العظيم عظيمًا بواحدة من هذه الثلاث، وبجزء من الواحدة يصل إليه؛ فكيف إذا جمعها جميعًا، ووصل في كل منها إلى الغاية التي ليس بعدها غاية، وجاوز في علوه الحدود التي وضعها الناس للعظمة والعظماء، وذلك ما اختص به الله -تبارك وتعالى- نبيه المجتبى، وحبيبه المصطفى سيدنا محمدا - صلى الله عليه وسلم- .
رُتَبٌ تسقط الأمانىُّ حَسْرَى ** دونها ما وراءهن وراء
فأما عن المواهب التي ميزه الله بها عن غيره فحدث عن الفيض ولا حرج.
فلقد كان - صلى الله عليه وسلم- من شرف النسب وكرم الأصل في صميم قريش ولبابها، وذروة الشرف وسنامه، لم تزل في ضمائر الكون تختار له الأمهات والآباء؛ فهو من خيرة أسرة في أنبل قبيلة لأكرم شعب وأزكى جنس، ولا غرو؛ فهو - صلى الله عليه وسلم- خيار من خيار من خيار.
شرف يقرع النجوم برَوْقيـ ** ـه وعز يقلقل الأجيالا
وهو من حيث الجمال الخلقي في أسمى معانيه وأعلى رتبه؛ قوى البنية تام الخِلْقة، أجمل الناس طلعة، وأوفرهم هيبة، وأوضاهم وجهًا، وأعذبهم ابتسامة، وأحلاهم منطقًا، إذا تبسم كأنما يفتر عن حب الغمام، وإذا ضحك رؤى كالنور يخرج من بين ثناياه.
وإذا نظرتَ إلى أسرَّة وجهِهِ ** برقت كبرقِ العارضِ المتهلِّلِ
وإن ذلك لمعنى عرضي من معانى الكمال الذاتي الذى أودعه الله نفس نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم- ، ولع الناس بالتمدح به والإغراق في ذكره، وهم لو التفتوا إلى سواه من معانى الكمال المحمدي لوجدوا في ذلك البحر الذى لا ينضب معينه، والمصباح الذى لا يخبو نوره، وإنما ذكرناه في معرض التحدث عن العظمة المحمدية؛ لأنه كمال انفرد به المصطفى - صلى الله عليه وسلم- ، ولم يشاركه فيه أحد سواه.
وهو من حيث الكمال الخلقي بالذروة التي لا تُنال، والسمو الذى لا يُسامى؛ أوفر الناس عقلا، وأسدُّهم رأيًا، وأصحُّهم فكرة، وحسبك أنه ساس هذه القبائل الجافية، والنفوس القوية العاتية، ولم يستخدم في ذلك الإغراء بالمال، ولا الإرهاب بالقوة؛ فلقد كان في قِلٍّ من الثروة، وضعف من العدد والعدة، ولكنه العزم الماضي، والرأي الثاقب، والتأييد الإلهي، والكمال المحمدي.
أسخى القوم يدًا، وأنداهم راحة، وأجودهم نفسًا؛ أجود بالخير من الريح المرسلة، يعطى عطاء من لا يخشى الفقر، يبيت على الطوى وقد وُهب المئين، وجاد بالآلاف لا يحبس شيئًا، وينادى صاحبه: "أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً".
أرحب الناس صدرًا وأوسعهم حلمًا، يحلم على من جهل عليه، ولا يزيده جهل الجاهلين إلا أخذًا بالعفو وأمرًا بالمعروف، تواتيه المقدرة، ويمسك بغرة النصر؛ فلا يلقى منه خصمه إلا نبلا وكرمًا وسماحًا وشممًا، ينادى أسراه في كرم وإباء: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
أعظم الناس تواضعًا، يخالط الفقير والمسكين، ويجالس الشيخ والأرملة، وتذهب به الجارية إلى أقصى سكك المدينة؛ فيذهب معها، ويقضى حاجتها، ولا يتميز عن أصحابه بمظهر من مظاهر العظمة، ولا يرسم من رسوم الظهور، ويقول لهم في ذلك ما معناه: إن الله يكره أن يمتاز الشخص عن أصحابه.
ألين الناس عريكة، وأسهلهم طبعًا، ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن محرمًا، وهو مع هذا أحزمهم عند الواجب، وأشدهم مع الحق، لا يغضب لنفسه؛ فإذا انتُهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء، وكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من شدة الغضب.
أشجع الناس قلبًا وأقواهم إرادة، يتلقى الناس بثبات وصبر، تمر به الأبطال كلمى هزيمة، وهو ضاحك السن، باسم الثغر، وضّاح الجبين، ينادى بأعلى صوته:
أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب
ويداعب أصبعه، وقد مسها ألم الجرح في سبيل الحق.
هل أنت إلا أصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت
وهو من شجاعة القلب بالمنزلة التي يجعل أصحابه إذا اشتد البأس يتقون برسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، ومن قوة الإرادة بالمنزلة التي لا ينثني معها عن واجب، ولا يلين في حق، ولا يتردد ولا يضعف أمام شدة، ويَضرِب المثل العملي في ذلك لأصحابه فيقول لهم: "ما كان لنبي إذا لبس لأْمَةَ حربه أن يرجع".
أعف الناس لسانًا، وأوضحهم بيانًا، يسوق الألفاظ مفصلة كالدرر مشرقة كالنور، طاهر كالفضيلة في أسمى مراتب العفة وصدق اللهجة، يقول لأصحابه ما معناه: "لم أبعث فاحشًا ولا متفحشًا ولا لعانًا ولا صخابًا بالأسواق، إنما بعثت هاديًا ورحمة".
أعدلهم في الحكومة، وأعظمهم إنصافًا في الخصومة، يقيد من نفسه ويقتص لخصمه، يقسم الحدود على أقرب الناس إليه، ويقسم بالذي نفسه بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع يدها!.
أسمى الخليقة روحًا، وأعلاها نفسًا، وأزكاها وأعرفها لله، وأشدها صلابة وقيامًا بحقه، وأقربها بفروض العبادة ولوازم الطاعة، مع تناسق غريب في أداء الواجبات واستيعاب عجيب لقضاء الحقوق، يؤتى كل ذي حق حقه؛ فلربه حقه، ولصاحبه حقه، ولزوجه حقها، ولدعوته حقها، ولكل واجب من واجبات الإنسانية ما يتطلبه من أداء وإتقان.
أزهد الناس في المادة، وأبعدهم عن التعلق بعرض هذه الدنيا، يطعم ما يقدم إليه، ولا يعيب طعامًا قط، وإذا لم يجد ما يأكل قال: إني صائم، وينام على الحصير والأدم المحشو بالليف، ويقول في المنعمين المترفين: إن لهم الدنيا ولنا الآخرة، قضى زهرة شبابه مع امرأة من قريش تكبره بخمس عشرة سنة، قد تزوجت من قبله وقضت زهرة شبابها مع غيره، ولم يتزوج معها أحدًا وما تزوج بعدها لمتعة، وما كان في أزواجه الطاهرات بكرًا غير عائشة التي أعرس بها وسنها تسع سنين، يسرب إليها الولائد يلعبن بالدمى وعرائس القطن والنسيج.
أرفق الناس بالضعفاء، وأعظمهم رحمة بالمساكين والبائسين، شملت رحمته وعطفه الإنسان والحيوان، يغذيهم بحنانه، ويعطف على الكل بجنانه، ويقول: "في كل ذات كبد رطبة أجر"، ويعد الرفق بالحيوان قربة إلى الله يشكر عليها عبده ويكافئ فيها خلقه، ويعتبر القوة جريمة حتى على الحيوان الأعجم، ويحذر أصحابه فيقول لهم: "إن امرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها؛ فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
وهو - صلى الله عليه وسلم- مع رجاحة عقله ونضوج فكره وقوة إرادته أرق الناس عاطفة، وأرقهم شعورًا، وأرقهم إحساسًا، يجد لزوجه من الحنان والوفاء ما يجعله يقول: "حُبب إلىَّ من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة"، ويجد لابنه من الشفقة والحب ما يجعله يقول عند فقده ما معناه "إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضى الرب، وإنا بعدك يا إبراهيم لمحزونون".
ويجد من الحنين لوطنه والميل لبلده التي نشأ فيها ونما بها ما يجعله تغرورق عيناه ويقول لأصيل الغفاري وقد أخذ يصف مكة بعد الهجرة: "لا تشوقنا يا أصيل، ودع القلوب تقر".
ذلك قبس من نور النبوة، وشعاع من مشكاة الخلق المحمدي الطاهر، وإن في القول بَعْدُ لَسَعَةً وفى المقام تفصيلا.
وقد وجدتَ مجال القول ذا سعة ** فإن وجدتَ لسانًا قائلا فقُل
وإنك لتلقى العظيم يعظم في قومه، ويسود في عشيرته بخصلة واحدة من هذه الخصال؛ فكيف بمن حيزت له بحذافيرها، وبلغ في كل منها نهايتها؟.
وإنك لتجد لكل عظيم هفوة، ولكل سيد كبوة، ولكل نابه نقيصة أخذت عليه وعرفت عنه كأنه الكلف يشين وجه البدر، أو الغمام يحجب نور الشمس، وسل التاريخ ينبئك على أنك لست بواجد شيئًا من هذا أمام عظمة النبي - صلى الله عليه وسلم- ؛ فقد عُصِم من النقائص، وعلا من الهفوات، وجلّ مقامه عن أن تلصق به نبوة.
خُلقتَ مبرَّأً من كل عيبٍ ** كأنك قد خُلقتَ كما تشاءُ
ذلك من حيث المواهب التي اختص الله بها نبيه العظيم، وحَبَا بها رسوله الكريم، وأما من حيث عظمة العمل الذى قام به سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- فبربك قل لي: أي عمل أعظم من الرسالة العظمى، والنبوة الكبرى، والدعوة العامة، والإصلاح الشامل لكل الأمم؛ بل للجن والإنس في كل ناحية من نواحي الحياة الدنيا وفى الآخرة؟ وأي أثر أخلد من القرآن الكريم والتشريع القويم الذى تركه النبي - صلى الله عليه وسلم- للإنسانية من بعده؛ نهتدى بهديه، ونسير على ضوئه، ونصلح بتعاليمه، "ويلجأ إليه الناس حين ييأسون مما في أيديهم وتفلس نظمهم وقواعدهم" {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا في الآَفَاقِ وَفِى أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شيء شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
لو لم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم- من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هدية السماء إلى الأرض واتصال هذا القرآن الكريم إلى العالم لكان فضلا لا يستقل العالم بشكره، ولا تقوم الإنسانية بكفائه، ولا يوفى الناس حامله بعض جزائه.
وناهيك بكتاب ضمن للناس إن اتبعوه صلاحَ الدنيا وسعادة الآخرة، وعلاج المشكلات، ودواء المعضلات، {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].
وأنت إذا أنعمت النظر في كتاب الله -تبارك وتعالى- رأيته القانون الشامل والتشريع الكامل الذى ضمن للفرد حقوقه وحريته، وحدد له واجباته العامة والخاصة لله ولنفسه ولأسرته ووطنه وللعالم كله، وضمن للأسرة سعادتها وهناءتها ببنائها على أفضل الأسس وأدق القواعد النفسية الاجتماعية، ووصف أحسن العلاج لما يطرأ على الأسر من عوامل الانحلال والفناء، مع بيان أفضل الوسائل في توثيق الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة على أساس تقدير الجميل والتعاون على الخير، ووضع للأمة بعد ذلك أحكم النظم التي تبين صلة الحاكم بالمحكوم، وتجعل الأمر شورى، والناس سواسية، لا يتفاضلون إلا بأعمالهم، ولا يتفاوتون إلا بحقهم، ثم تفي على ذلك ببيان الصلة بين الأمم بعضها ببعض، ووجوب تعاون بنى الإنسان على خير البشرية العام، والرقى بمستواها إلى نهاية ما قدر لها من الكمال الممكن.
كل ذلك عرض له القرآن الكريم في لفظ بليغ وإيجاز محكم، وجاءت السنة المطهرة فصَّلت مجمله، وحددت مطلقه، واستقصت جزئياته؛ فكان تشريع الإسلام -وهو ثمرة البادية ووليد الصحراء وابن الفيافي القاحلة- أدق تشريع وأكمله وأرقاه وأصلحه مع سموه عن النقد وتجافيه عن الخطأ، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
فأي عمل أعظم من هذا؟ وأي أثر أخلد منه؟ وإن العالم كله إذا أجمع على عظمة أفلاطون لفلسفته وجمهوريته، وعلى فضل أرسطو وتبريزه في أخلاقه وقوانينه، وعلى تقدير نابليون لعزيمته وتشريعه، مع تعرض كل هؤلاء للهفوات والنقد المر، ومع أن معظم نظراتهم حبالى لا تثبت أمام التنفيذ ولا تتفق مع الواقعيات، ومع أنهم جميعًا كان لهم من دراساتهم وتقلبهم في معاهد العلم ومدارس الثقافة ما يجعل ذلك ليس غريبًا منهم ولا بعيدًا عليهم.
إذا كان ذلك كذلك.. فإن من واجب العالم كله -ولا محيص لهم عن ذلك- أن يجعل عظمة محمد - صلى الله عليه وسلم- في الخلق جميعًا فوق كل عظمة، وفضله فوق كل فضل، وتقديره أكبر من كل تقدير، وقداسته أسمى من كل قداسة، ولو لم يكن له - صلى الله عليه وسلم- من مؤيدات نبوته وأدلة رسالته إلا سيرته المطهرة وتشريعه الخالد لكانا كافيين {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
كفاك بالعلم في الأُمِّيّ معجزةً ** في الجاهلية والتأديب في اليتم
وأما من حيث ما أسداه إلى الإنسانية من فوائد، وحبا به العالم من المنافع؛ فحسبك أن تعلم أنه - صلى الله عليه وسلم- المنقذ للبشرية مما ارتطمت به من أهوال وصروف في عصره الذى بعث فيه، وأن العالم كله لن يجد العلاج لمشاكله والحل لكل معضلاته إلا بما وضع الإسلام من دواء ووصف من علاج، ولو أن الناس كشفوا عن أعينهم غشاوة التعصب، وطهروا قلوبهم من أدران الوهم لعلموا أن كل مشكلات اليوم بل كل مشكلات العالم حلَّها الإسلام بأيسر الحلول، ووصف لها أنفع الأدوية، وليس بين العالم وبين الراحة والهناءة إلا أن يعمه تشريع الإسلام القويم، وسيَخْلُص الناس من تجاربهم إن بعيدًا وإن قريبًا إلى هذه النتيجة {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88].
"وأما بعد" فإن كانت العظمة بالتبريز في أساليب السياسة؛ فإن نبينا - صلى الله عليه وسلم- ذلك السياسي الذى لم يخطئه التوفيق في موقف من مواقفه مع الصدق والمناصحة، والبعد عن المخادعة والنفاق. ولئن كانت بالمهارة في قيادة الجيوش وإحراز أعظم النصر بأقل التضحيات؛ فهذا شأنه- صلى الله عليه وسلم- في كل غزوة من غزواته أو سرية من سرايا جيشه المظفر.
ولئن كانت بقوة التأثير؛ فإن تأثير النبي - صلى الله عليه وسلم- في أصحابه لم يرَ التاريخ مثله في وقت من أوقاته أو صفحة من صفحاته، وما رأت الدنيا جماعة من الجماعات سارت على هدى نبيها، واتبعت سنة قائدها كتلك الجماعة المؤمنة المخلصة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- .
وإنك لتقرأ كتاب العظمة فترى عظمة محمد - صلى الله عليه وسلم- أوضح سطوره وأروع معانيه؛ فليعتز المسلمون بذلك، وليكن لهم في نبيهم العظيم أسوة حسنة.
المصدر : مجلة الاخوان المسلمين _ السنه الثانيه _ العدد8_صـ 6:1_9 ربيع الاول 1353هـ/22يونيو1934م |