الصابرون على فقد الأبناء
1- روى ابن أبي حاتم بإسناده في تفسيره عن خالد بن يزيد، عن عياض، عن عقبة أنه مات له ابن يقال له: يحيى، فلما نزل في قبره قال له رجل: والله إن كان لسيد الجيش، فاحتسبه، فقال والده: وما يمنعني أن أحتسبه وكان من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات؟! فهذا رجل صابر راض محتسب، ما أحسن فهمه وحسن تعزيته لنفسه، وثقته بما أعطاه الله من ثواب الصابرين.
2- وعن ثابت قال: مات عبد الله بن مطرف، فخرج أبوه مطرف على قومه في ثياب حسنة وقد ادهن، فغضبوا، فقالوا: يموت عبد الله وتخرج في مثل هذه مدهنًا؟ قال: أفأستكين لها، وقد وعدني ربي تبارك وتعالى عليها خصالاً، كل خصلة منها أحب إلى من الدنيا كلها؟! قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، فأستكين لها بعد ذلك؟! ثم قال ثابت قال مطرف: ما شيء أعطي به في الآخرة قدر كوز من ماء إلا وددت أنه أخذ مني في الدنيا. [رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد].
3- وعن محمد بن خلف، قال: كان لإبراهيم الحربي ابن كان له إحدى عشرة سنة، حفظ القرآن، ولقنه من الفقه جانبًا كبيرًا، قال: فمات، فجئت أعزيه، فقال: كنت أشتهي موت ابني هذا، قال: فقلت له: يا أبا إسحاق، أنت عالم الدنيا، تقول مثل هذا، في صبي قد أنجب، ولقنته الحديث والفقه؟! قال: نعم، رأيت في منامي، كأن القيامة قد قامت، وكأن صبيانًا بأيديهم قلال فيها ماء، يستقبلون الناس فيسقونهم، وكان اليوم يومًا حارًا، شديدًا حره، قال: فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء، قال: فنظر إلي، وقال: ليس أنت أبي، قلت: فأي شيء أنتم؟ قال: فقال لي: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا وخلفنا آباؤنا، فنستقبلهم فنسقيهم الماء، قال: فلهذا تمنيت موته.
4- وروى ابن أبي شيبة، بإسناده عن ثابت البناني: أن صلة بن أشيم، كان في غزاة له ومعه ابن له، فقال له: أي بني، تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل حتى قتل، ثم تقدم أبوه فقتل، فاجتمعت النساء، فقامت امرأته معاذة العذرية، فقالت للنساء: مرحبًا، إن كنتن جئتن لتهنئنني مرحبًا بكن، وإن كنتن جئتن لغير لك فارجعن.
5- فقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس، قال اشتكى ابن لأبي طلحة، قال: فمات وأبوه كلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات، هيأت شيئًا، وجعلت ابنها في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة، قال: كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة، قال: فبات، فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج، أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي r ثم أخبره بما كان منها، فقال رسول الله r: «لعل الله أن يبارك لهما في ليلتهما»، فقال رجل من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد، كلهم قد قرأ القرآن.
وفي لفظ أنها قالت لأهلها لما مات ولدها: لا يكلم لأبي طلحة أحد قبلي، فلما دخل، سأل عن الصبي، فقالت: إنه قد هدأ مما كان، قدمت له طعامًا فأكل، ثم تصنعت له حتى واقعها، ثم قالت: يا أبا طلحة، أرأيت قومًا أودعوا قومًا وديعة، ثم طلبوها منهم، أفما يجب أن يؤدوها إليهما؟ قال: بلى، قالت: فاحتسب ابنك. فغضب لما صنعت به، فلما كان الصباح، ذهب إلى رسول الله r يشكوها إليه، فتبسم رسول الله r وقال: «بارك الله لكما في غابر ليلتكما، فجاء بغلام حنكه رسول الله r وسماه عبد الله، وهو الذي كان من سلالته الإخوة القراء، والأول هو أبو عمير الذي كان رسول الله r يداعبه ويقول له: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ أي: ما فعل عصفورك.
6- مات لرجل من السلف ولدًا، فعزاه سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد، وآخرون، وهو في حزن شديد، حتى جاءه الفضيل بن عياض، فقال: يا هذا أرأيت لو كنت في سجن وابنك، فأفرج عن ابنك قبلك، أما كنت تفرح؟ قال: بلى! قال: فإن ابنك، خرج من سجن الدنيا قبلك، قال: فسري عن الرجل، وقال: تعزيت. [رواه الحافظ بن عساكر].