بسم الله الهادي إلى سواء السبيل ..
منذ سقوط الخلافة الإسلامية على اليد المارق أتاتورك، ومع التنازل التدريجي للدول الإسلامية الواحدة بعد الأخرى عن تطبيق شريعة الرحمن، والأمة تقبع في سرداب مظلم من التيه لا تستطع منه خروجاً ولا تهتدي فيه لنور يأخذ بيدها لآخر أو مخرج.
ومن هنا بدأت المطالبات المتكررة بتطبيق الشريعة الإسلامية والتي اختلفت باختلاف طبائع وثقافات من تبناها وباختلاف بلدانهم، فبعضها صاحبه عنف غير منظم، وبعضها صاحبه تنظيم لمعارضة لم ترق للمستوى المأمول من التأصيل الشرعي الصحيح، والبعض اكتفى بالدعوة لتطبيق الشريعة والعودة إليها ولكن في صمت رهيب كصمت القبور، وتقاعس عن النزول للجماهير العطشى، والذوبان في مطالبها بالرجوع لشرع ربها.
وبين ذا وذاك تقمع الأنظمة أي محاولة تطالب بالعودة بالأمة إلى مجدها وعزتها، ويرجع ذلك حتماً وبلا ريب لخوف الأنظمة من أن الشعوب ستلفظها عند تطبيق الشريعة لما يعتريها من فساد ومخالفات صارخة ما قامت تلك الأنظمة إلا بها وما تقتات إلا عليها، من قمع للحريات وبطش بالإصلاحيين من ومتى وجدوا لتستأثر بالحكم دونما نظر لتلك الشعوب المحكومة التي لا تجد من حكامها إلا الفتات.
وفي هوجاء هذه الفتن تخرج أفواه تبدع كل من يطالب بالرجوع بالأمة إلى شريعة ربها وتتهمه بالخروج على الحكام والوقوع في بدعة التكفير دونما أدنى نظر للظرف الطارئ ودونما أي فصل بين المطالبة بالشريعة والخروج على الحاكم.
والحق هو قول أهل الوسط أهل السنة في كل مكان وزمان، فهم يدرؤون المفاسد المترتبة على الخروج عن الحكام والمواجهات غير المتكافأة، كما أنهم لا يغفلون عن ضرورة العودة بالأمة إلى الشريعة من خلال إعادة الوعي لأبنائها وبث روح العمل وتصحيح الاعتقاد فيهم وعدم الملل من مطالبة الحكام بتصحيح أوضاعهم ومصالحة شعوبها بإرضاء ربهم وخالقهم.
والعجب كل العجب أن الحكام يحتجون بتنازلهم عن شريعتهم إما لخوفهم على كراسيهم أو اعتذاراً بوجود الأقليات الغير مسلمة.
فأما الأولى فالعكس هو الصحيح فلم ولا تزال كراسيهم في خطر في ظل تنازلهم عن تطبيق الشريعة، نظراً لما يعتريهم من تهديدات من جماعات جنحت لاستخدام القوة أو من خلايا تحاول الانتقام من ظلمهم وبطشهم بل حتى من ماركسيين أو شيوعيين ملوا من ضعف حكامهم وتسلطهم، ولو طبق هؤلاء شريعة الرحمن لنالوا الأمن والأمان، ولوفروا على أجهزة أمنهم الكثير والكثير من المواجهات.
وأما الثانية وهي احتجاجهم بالأقليات غير المسلمة، وارتماؤهم في أحضان الديموقراطية، فديموقراطيتهم نفسها أثبتت مطالبة الجماهير بالإسلام، عار عليهم أن يغفلوا مطالب الأكثرية الساحقة من أجل أقليات لن يضيرها تطبيق الشريعة، بل بالعكس الشريعة الإسلامية تحترم حرياتهم أكثر من شرائعهم أنفسهم.
أما لو احتج الحكام بخوفهم من القوى الغربية وبطشهم بها، فوالله ما حدى بقوى الغرب إلى ما هم فيه الآن من تسلط إلا عدم احترام الحكام لشريعتهم ورغبات شعوبهم فلما هانوا على أنفسهم هانوا على الناس، ولو رجعوا لسر قوتهم وسبيل قيامهم من رقدتهم لملئوا عيون العالم وقاراً وهيبة ولكن ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.
وقد بينت في مقال سابق بعنوان إلى مفجر وحاكم، بأن حكام المسلمين لو طبقوا فوق رؤوسنا شريعة ربنا لصرنا خدماً لهم، ولن يضرنا ذلك ولن يضيرنا أن نصير لهم خداماً إذا ما صاروا للرحمن أولياءً، ولكن القوم ركنوا إلى دنياهم وقدموها على دينهم فلنا ولأمتنا الله وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأختم بإهداء هذه الآيات البينات لحِام الأمة وعامتها.
{ فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً } { فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يُحكِّموك فيما شَجَر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيتَ ويُسَلِّموا تسليمًا } { أَلمْ تَرَ إلى الذينَ يَزْعُمونَ أنّهم آمنوا بما أُنْزِلَ إليكَ وما أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدونَ أنْ يتحاكموا إلى الطاغوتِ وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهم ضلالا بعيدًا }
{ أَفَحُكمَ الجاهليةِ يَبْغونَ ومَنْ أحسنُ مِن اللهِ حُكمًا لِقومٍ يُوقِنون } { وأنِ احْكُمْ بَيْنهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ واحْذَرْهُم أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إليك } { فَإنْ جاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم أوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وإنْ تَعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وإنْ حَكَمْتَ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ }
{ ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون } { ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظالِمُون } { ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقون }
|