لم يكن الرئيس المخلوع حسني مبارك يتخيل أن الطائرة التي نقلته إلى أكاديمية الشرطة لن تعود به ثانية إلى المركز الطبي العالمي، الذي ظل يرقد فيه أكثر من عام، وستستقر به في نهاية المطاف، عقب الحكم عليه بالسجن المؤبد، في قضية قتل المتظاهرين، في سجن طره.
قرأ الرئيس المخلوع كثيراً من قبل عن السجن في الصحف، وسمع أحاديث عنه من زوجته سوزان وزوجتي جمال وعلاء مبارك، من خلال زياراتهن إلى نجليه.
قضى الرئيس المخلوع ليلته الأولى داخل السجن مصدوماً من قرار المحكمة الذي جاء مفاجئاً له، على حد وصف مصادر داخل السجن، إلى جانب عدم تصديقه أن قرار نقله تم بهذه السرعة إلى منطقة سجون طرة.
ظل مبارك منفعلاً للغاية، وطلب لقاء المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، واللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، وقال لمسئولي السجن إن الجميع أخبروه بأنه سيتوجه إلى المحكمة ويعود مرة أخرى إلى المركز الطبي العالمي.
ورصد الصحافي يسري البدري في صحيفة المصري اليوم تفاصيل الليلة الأولى، بعد هبوط الرئيس المخلوع من المروحية رقم ٧٣٢٣ في مهبط السجن، الذي حددته القوات الجوية، على مساحة واسعة، وأعلنت السجون حالة الطوارئ بمجرد صدور الحكم، وتمت مراجعة الخطط التأمينية للسجن ومتابعة التجهيزات الطبية، ومراجعة الأجهزة الملحقة بوحدة الرعاية المركزة، بعد انتهاء قطاع السجون من تجهيزها بأحدث الأجهزة والمعدات اللازمة لعلاج الحالات الحرجة.
وعقب وصول الطائرة إلى سجن طره، كانت المشكلة الكبرى هي إصرار الرئيس المخلوع على عدم مغادرة الطائرة لمدة ٤ ساعات اضطرت إدارة السجون خلالها إلى استدعاء قائد حراسته الذي مكث معه ٤٥ دقيقة، وكذلك مدير منطقة السجون، اللواء عبد الله صقر، لكن فشلت محاولتهما، وكانت المحاولة الناجحة لإقناعه بالهبوط من نجليه علاء وجمال، واللواء محمد نجيب، مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون.
وقالت مصادر أمنية بالسجون: إن الرئيس المخلوع سأل عندما استقرت الطائرة إحنا فين؟ فكان الرد من حراسته احنا في طرة يا ريس، فرد احنا متفقناش على كده أنا رايح المركز العالمي.
وأضاف مبارك، بعد أن ظهر عليه الغضب: أنا عايز المشير طنطاوي ووزير الداخلية، واستمر غضب الرئيس المخلوع، حتى مع وصول نجليه ومساعد الوزير لقطاع السجون، الذين أخبروه بأنهم سينفذون القانون، وملتزمون بقرار النائب العام، وأكدوا أن الغرفة مجهزة طبيا على أعلى درجة، وهناك أطباء متخصصون من السجون وقطاع الخدمات الطبية لرعايته، ونجحوا في إقناعه بالنزول من الطائرة.
وقالت مصادر مطلعة إن الطائرة أقلعت من السجن، وحضرت سيارة الإسعاف لنقل الرئيس المخلوع إلى غرفة الرعاية الفائقة داخل مستشفى السجن، بعد تجهيزها بأجهزة التنفس الخاصة بالصدمات وأمراض الارتجاف الأذيني والأجهزة الدقيقة الأخرى.
وأضافت المصادر أن الرئيس المخلوع أصيب بحالة ذهول واكتئاب، خاصة بعد أن تلا عليه مسئولو السجون لوائح وتعليمات المحكوم عليهم، التي تقضي بزيارتين فقط شهريا، وأخبروه بأنه وفقاً للتوصية الطبية هناك طعام مخصوص سيعد له، وتم تقديم ٣ وجبات إلى الرئيس السابق، منها وجبتا الغداء والعشاء، أمس الأول، ووجبة إفطار أمس، خضعت جميعاً إلى الكشف الطبي للتأكد من سلامتها، ورفضت المصادر الإفصاح عن مصدر هذه الوجبات.
وتابعت أن الرئيس المخلوع دخل غرفة الرعاية الفائقة، وتفقد الغرفة بنظرات اشمئزاز لأنها ضيقة للغاية وغير جيدة، وأكد مسئولو السجون أنها الغرفة الوحيدة المجهزة لاستقباله، وفقاً لحالته الصحية، ورفض مبارك في البداية أن يوقع الكشف عليه فريق من الأطباء، الذين قرر اللواء محمد نجيب، مساعد الوزير لقطاع السجون، تشكيله من قطاع السجون للكشف عليه ومتابعة حالته، إلا أنه بعد نصف ساعة من الرفض وافق، بعد أن قدم طلبا إلى إدارة السجون بأحقيته في متابعة حالته عن طريق ٣ أطباء متابعين لحالته، وتدرس إدارة السجون الطلب، ورفضت المصلحة الطلب.
وقالت المصادر: إن علامات الاكتئاب ظهرت على مبارك، عندما سأل مأمور السجن عن سر عدم وجود تلفون في الغرفة، والمأمور أخبره بأن لوائح السجون تمنع ذلك، والتعليمات محددة ويتم تطبيقها على جميع المحكوم عليهم.
وأضافت أن مبارك رفض، في البداية، ارتداء بدله السجن الزرقاء، وتم استبدالها بتريننج أزرق وطلب لقاء حفيده عمر، ثم تم إدخال الطعام إليه وأغلق الباب عليه كما تم إغلاق باب المستشفى وسط حراسة أمنية مشددة.
وتابعت المصادر أن ما تردد عن نقل كل من علاء وجمال مبارك مع والديهما غير صحيح، وأن نجلي الرئيس السابق محبوسان احتياطيا، أما الرئيس المخلوع فهو محكوم عليه، واللوائح تمنع ذلك، والسجون جهة تنفيذ قانون.
وقال مراسلون: إن الرئيس المخلوع التقى صفوت الشريف وفتحي سرور، اللذين يرتادان المستشفى بحكم ظروفهما الصحية، وشكا مبارك لهما سوء معاملة المجلس العسكري له، خاصة بعد قرار المحكمة عزله من رتبه العسكرية، وكانت علامات الحزن تسيطر على مبارك وهو يتحدث عن إنجازاته، وحاول سرور و الشريف، امتصاص غضبه، وقالا له كلها ٦٠ يوما والنقض هترجع القضية وهتاخذ براءة.
وانتشرت قوات الأمن، وعززت تواجدها حول السجن بقوات قناصة، اعتلت أبراج المراقبة، وقوات خاصة تمركزت أمام البوابات الرئيسية، وأجرت مسحا شاملا للعقارات بجوار السجن والمباني المحيطة، وانتشرت سيارات الأمن المركزي والعمليات الخاصة في الشوارع والطرق المحيطة. وتحولت المنطقة المحيطة بالسجن، إلى ثكنة عسكرية لقوات الجيش والشرطة، وتم تعزيز التواجد الأمني بـ٣ سيارات مدرعة، بها ما يقرب من ١٢٠ مجنداً، مهمتهم التصدي لأي محاولة هجوم، و٤ فرق قناصة مدربة تدريباً عالياً.
وتم تدعيم القوات بفريق تمركز ملاحقة، وهو أشد قوات التأمين، لأنه مزود بأجهزة اتصال ويمتلك أسلحة قتالية عالية الجودة، ومهمته ملاحقة أي هجوم لا يستطيع التمركز السابق عليه التصدي له، ومنع أي محاولات هروب، يقابله مبنى الخيالة، ثم كتيبة العمليات، وهي الكتيبة الأخيرة قبل الوصول إلى السجون، وهي أفضل الكتائب تسليحاً وتضم ١٢٠ مجنداً مزودين بالسلاح الآلي.
وأمام سجن ملحق المزرعة أو عنبر الزراعة، المودع به كل من علاء وجمال، تمركزت ٣ سيارات أمن مركزي، ونقطتا قناصة مهمتهما تأمين المنطقة الخلفية، وخلف سجن المزرعة يوجد مبنى الدواجن الجديد وتعلوه نقطتا قناصة أيضاً، وأسفله تمركز أمني خفيف، وإلى جواره صهريج كبير للمياه، يعلوه اثنان من أمهر القناصة لكشف جميع أنحاء المنطقة والتعامل مع أي محاولات هروب وكذلك قوات فض الشغب والعمليات الخاصة التي تحيط سجن المزرعة الموجود به المستشفى الذي يقضي فيه عقوبة المؤبد.
وشهد محيط السجن انتشاراً مكثفاً لقوات الأمن على طريق الأوتوستراد وشارع معهد أمناء الشرطة، وكثفت مباحث السجون، بقيادة اللواء مدحت حنفي، والعميد كمال الموجي، رئيس المباحث، تواجد القوات تحسباً لوقوع أي مفاجآت، وسحبت الهواتف المحمولة من العاملين الموجودين على البوابة الرئيسية.
المصدر: موقع العربية نت. |