2leep.com

25 يناير .. عام على انطلاقة الثورة

عرض المقال
25 يناير .. عام على انطلاقة الثورة
1320 زائر
21-01-2012 09:59
غير معروف
د /محمد البلتاجي

بعد أيام يكون قد مر عام على انطلاقة الثورة المجيدة التي نعتبرها جميعًا شهادة ميلاد جديد للشعب المصري، الذي كانوا يراهنون على موته وخضوعه واستكانته، فإذا به ينتفض كالمارد بعد أن كسر حاجز الخوف، فلم تعد ترهبه الاعتقالات، ولا يخيفه جند أو عتاد، ولا توقفه الرصاصات، التي صار قادرًا على أن يقهرها هو بصدور الشهداء الأبطال..

انكسر حاجز الخوف واحتشدت الملايين وراء الثورة، فلم تعد هناك قوة تستطيع مواجهة ملايين لا تعرف الخوف، اضطرت القوى الدولية التي كانت تحمي الاستبداد وتدعمه أن تتخلى عن النظام، حسم الجيش موقفه فأعلن وقوفه إلى جانب الثورة، واصلت الثورة السلمية مسيرتها فلم تكتف بتنحية الفرعون، ولكنها استمرت قادرة على تحقيق تنحية (الرئيس ونائب الرئيس وبرلمان الرئيس وحكومة الرئيس، ثم تفكيك وحل الحزب الحاكم والمجالس المحلية واتحاد العمال).

كان النظام السابق يعتمد على الأجهزة الأمنية في تحقيق قهر الجماهير والسيطرة عليها، انكسرت العصا الأمنية الغليظة تحت ضغط الجماهير، وفي محاولة لطمس جرائم الماضي تم إعلان حل جهاز أمن الدولة المسئول الأول عن جرائم النظام السابق في حق الشعب، كان شعار التطهير وخاصة في الأجهزة الأمنية هو المطلب الرئيسي الذي رفعته الثورة في المرحلة التالية، واستجيب له شكليًّا بتغيير لافتة أمن الدولة إلى لافتة الأمن الوطني، وتم إعلان حركة تغيير وتطهير محدودة في القيادات العليا في الداخلية، راهنت القوى المضادة للثورة من جديد على سيناريو الفوضى كبديل عن البطش الأمني.

استمر سيناريو إدارة الفوضى الأمنية المنظمة وصناعة الأزمات في طريق الثورة، واستمر سيناريو محاولة تفجير الوطن ينتقل بنا من قنا إلى أطفيح إلى إمبابة إلى مسرح البالون إلى ماسبيرو إلى شارع محمد محمود إلى شارع مجلس الوزراء، أجهزة ومؤسسات وأموال وقيادات ليس من مصلحتها أن تسير الثورة قدمًا للأمام، ولا تزال قادرة على اختراق المشهد واختراق أطرافه واستخدام عواطف ومشاعر (نبيلة أحيانًا وساذجة أحيانًا، دينية أحيانًا وقومية أحيانًا، وقبلية أحيانًا وتنافسية أحيانًا)؛ بقصد تعطيل المسيرة أي توقيفها أو تأخيرها، ريثما تعيد هي ترتيب أوضاعها.

القوى الوطنية الثورية تاهت هي الأخرى، وانشغلنا جميعًا باختلافاتنا التي تحولت من خلافات طبيعية حول أولويات وإجراءات وترتيب خطوات المرحلة الانتقالية إلى انقسامات ومعسكرات وخنادق واستقطابات حادة، رغم أن أولويات المرحلة لا تزال تمثل قواسم مشتركة بين الجميع.

لا أسعى الآن لتحليل مواقف الأطراف السياسية للوصول إلى أيها كان صوابًا وأيها كان خطأً، ولا لتبرير بعض المواقف واتهام الأخرى، ولا للدفاع عن بعض المواقف والاعتذار عن الأخرى، فالمهم الآن هو كيف نستكمل المسير بما يجعلنا قادرين على تحقيق شعار الثورة الأول (تغيير - حرية - عدالة اجتماعية). التغيير يجب أن يكون حقيقيًّا وكاملاً وجذريًّا، ولا يسمح بإعادة إنتاج الماضي وهذا يشمل التطهير وإعادة البناء على قواعد جديدة..

لدينا تحدي إعادة بناء جميع المؤسسات وفقًا لقواعد وقيم الحكم الرشيد ولصالح الجماهير، بعد مخاض طويل نجح الشعب في اختيار نوابه وتشكيل برلمانه الذي يجب أن يكون برلمان الثورة الذي يستكمل مسيرتها ويحقق مطالبها، والذي يجب ألا يسمح بأي قدر من الوصاية عليه أو التدخل في شئونه أو منازعته صلاحياته. ويحتاج البرلمان إلى قدر كبير من التعاون بين الأطراف السياسية داخله ليتشارك الجميع في حمل تركة ثقيلة لوطنٍ تم استنزاف وتبديد ونهب وإفساد وتخريب كل مقومات التنمية والنهوض فيه.

نحتاج تشريعات تؤسس للسلطة القضائية المستقلة لنطمئن أن تحقيقات النيابة ومحاكمات القضاء (في قضايا قتل الثوار وفي قضايا جرائم النظام السابق وفي جرائم المال العام وفي كل القضايا) لن تعد تخضع لأية مطالب فوقية أو توجيه من خارج ضمائر القضاة. نحتاج تشريعات تؤسس للحكم المحلي الرشيد الذي يتشكل بإرادة شعبية ويخضع لرقابة شعبية ويباشر صلاحياته ليلبي الحياة الكريمة للمواطنين، ويؤسس للمجتمع المدني والأهلي القوى من جمعيات أهلية ونقابات عمالية ومهنية وفلاحين قادرة على الدفاع عن مصالح المجتمع بكل مكوناته..

نحتاج لدور رقابي يطمئن الجماهير بشأن الجديد في تشكيلات وأداء وصلاحيات الأجهزة الأمنية، وكيف نضمن ألا تعيد إنتاج الماضي، وألا يكون الأمن الوطني طبعة جديدة من أمن الدولة. نحتاج لمراقبة أداء الحكومة التي لا أدري لماذا تتعجل إتمام اتفاقيات قروض قبل جلسات البرلمان، ولماذا محاولة إغلاق ملفات أراضي رجال الأعمال ومصانع الخصخصة قبل وجود البرلمان. نحتاج لمراجعة موازنة الدولة لتعديل هياكل الأجور والدخول وتحقيق أولويات علاج المرضى وسكن المشردين وتوفير الوظائف والرقي بالعشوائيات بما يحقق العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة لكل المواطنين.

مع أهمية كل هذا تبقى القضية الجوهرية وهي مدى جدية وضمانات نقل السلطة بملفاتها السيادية كاملة من المجلس العسكري إلى الرئيس المنتخب، ليعود المجلس العسكري إلى دوره في حماية الوطن والدفاع عنه دون وصاية أو تدخل في العملية السياسية.

من هنا تأتي أهمية يوم 25 يناير القادم وأهمية صدور مرسوم باعتباره عيدًا قوميًّا للثورة، ليكون ذلك إعلان انتقال من شرعية ثورة الضباط الأحرار إلى شرعية ثورة الشعب المصري بكل ما يعنيه هذا الانتقال من استحقاقات، أقول: هو عيد للثورة لا لنحيا معه مشاعر احتفالية فلكلورية تفرغ المناسبة من مضمونها الثوري كما يريد البعض، ولا لنعيش معه حالة جنائزية مأتمية لأننا لم نحقق شيئًا كما يرى البعض، ولكن لنرسل جميعًا رسالة واضحة أن الملايين لا تزال محتشدة وراء الثورة، ومُصِرَّة على تحقيق مطالبها التي لم تتحقق بعد، وأن الجماهير ستبقى على وفائها لدماء الشهداء وجراحات المصابين الذين لن ننسى حقوقهم، ولن نتراجع عن استكمال المسيرة من بعدهم..

هي مناسبة لشحذ الهمم من جديد وراء مسيرة الثورة، نجدد العهد والعزم على المضي قدمًا للأمام، وعلى رأس ذلك تحديد موعد فتح باب الترشيح لانتخابات الرئاسة عقب انتهاء انتخابات الشورى مباشرة (بحسب ما يقتضيه الاستفتاء الدستوري)؛ لنضمن وضع الدستور الجديد في ظل سلطة مدنية (برلمان منتخب وحكومة منتخبة)، وليس في ظل الحكم العسكري، الأمر الذي نضمن معه ألا تكون هناك أية وصاية على مؤسسات الدولة القادمة أو احتفاظ بملفات سيادية تهيمن على النظام ولو من وراء ستار.

وهذه الضمانات لا تتحقق بالبرلمان وحده ولا بالميدان وحده ولا بالأحزاب السياسية وحدها ولا بالقوى الثورية وحدها، ولكن يجب أن تتضافر الجهود لنستكمل معًا مسيرة ثورتنا المجيدة.

أخيرًا.. تحية إجلال وتقدير لأرواح شهداء الثورة المجيدة أصحاب الفضل على هذا الوطن، ونعاهد الله على الوفاء لدمائهم والمضي قدمًا في طريق الثورة بمسئولية تقدر مصالح الوطن وبشراكة مع الجميع دون استثناء، وبعزيمة وإصرار دون تراجع للوراء ولو قدمنا أرواحنا ثمنًا لعزة وكرامة وحرية هذا الوطن، عاشت مصر لكل المصريين.

   طباعة 
الوصلات الاضافية
عنوان الوصلة استماع او مشاهدة تحميل
التعليقات : تعليق
« إضافة تعليق »
اضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
7 + 4 = أدخل الكود
روابط ذات صلة
روابط ذات صلة
المقال السابقة
المقالات المتشابهة المقال التالية
جديد المقالات
جديد المقالات

RSS

Twitter

Facebook

Youtube

wewe