الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وبعد:
فإن ما يحصل في مصر وتونس وغيرهما من الدول العربية من التدافع بين الاسلاميين وعددٍ من الاتجاهات العَلمانية واليسارية، يتطلب رؤية علمية واعية، وأفقًا دعويًّا جديدًا، يتجاوز افتعال المشكلات الجانبية، وينأى عن الصراعات الحزبية؛ فمقتضيات المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد العربية فوق ذلك كله.
إنَّ ثمة حقيقةً واقعيةً لا شك فيها، وهي: أن العلاقة بين بعض السلفيين وبعض تيارات الإخوان المسلمين تشوبها في بعض الأحيان شوائب التوتر والتدابر، ولا شك أن هناك اختلافاتٍ حقيقيةً لا ينبغي إغفالُها، لكنَّ الواقع يحدِّثنا أيضًا عن كثير من الاختلافات التي لا مسوِّغ لها، يستدعيها أحيانًا بعض من لا فقه له ولا حكمة عنده، ولا يزال الشيطان ينفخ فيها حتى تُفرِّق الصفوف وتوغر الصدور.
إن الاختلافات التي تقع بيننا يجب أن تُدرَس دراسةً علمية متجردة، ونتحاور حولها بفهم وأخوَّة، بعيدًا عن التشنج والتهارش، ونُحْيِي فقه التناصح والتواصي بالحق، ونقدِّم مبادرات عملية لجمع الكلمة وتوحيد الصف، ونعطي للشباب دروسًا في الترفع عن القيل والقال، والخوض في ما لا فائدة منه للعمل الإسلامي من القول أو العمل.
لقد أثبت الخطاب العَلماني بتياراته المختلفة أنه يستهدف الإسلام عقيدة وشريعة، ولا فرق عنده بين الإخوان والسلفيين من حيث الجملةُ، كما أثبتت بعضُ الوثائق الأمنية التي تسربت في مصر أن الجهات الأمنية عبر عقود متتابعة كانت وراء إثارة الفرقة والبغضاء بينهم؛ من أجل إضعاف شوكة الخطاب الإسلامي عمومًا.
وقد سرَّنا جدًا أن عددًا من الرسائل الإيجابية من بعض رموز الإخوان والسلفيين في مصر دعت إلى التعاون والتكاتف في وجه الحملات العلمانيه التي تسعى لإشاعة الفرقة، وتشويه صورة الاسلاميين وتعبئة الشارع للتخويف من صعودهم.
إذن القضية أكبر من المسميات أو الوسائل العابرة، ونحسب أن إخواننا الكرام من جميع التيارات الإسلامية لديهم من الحكمة وسعة الأفق وعمق البصيرة، ما يجعلهم يدركون ضرورة البدء بالأوليات، وتغليب مصالح الأمة، والدعوة الجادة إلى الاعتصام بحبل الله؛ امتثالاً لقول الحق تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
المصدر: مجلة البيان. |