وكالات/
بعد غياب دام 30 عاما، وصل الداعية الإسلامي الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، يوم الخميس إلى مصر قادمًا من الكويت، حيث عاش طوال هذه السنوات؛ بسبب منعه من دخول مصر خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وكان فى استقباله بمطار القاهرة، الشيخ محمد حسان، والشيخ أبو إسحاق الحويني الذى جاء المطار على كرسي متحرك لاستقبال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، كما حضر لاستقباله عدد من أبرز الدعاة والمشايخ في مصر.
وصرح الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق عند وصوله بأنه يعمل في الكويت مدرسًا واستمر غيابه عن مصر مدة 30 عاما هي عهد الرئيس السابق مبارك.
وأضاف: إن فترة إقامته بالقاهرة لن تطول عن أسبوعين يعود بعدها إلى الكويت للإقامة مع أسرته، خاصة أنه يحمل الجنسية الكويتية.
وكان عدد كبير من السلفيين قد جاءوا إلى مطار القاهرة الدولي لاستقبال الداعية السلفي عبد الرحمن عبد الخالق الذي وصل على طائرة الخطوط الكويتية.
وفى حوار أجراه مع جريدة "المصريون" قال الشيخ معلقا على الربيع العربي: هذا لا يسمو فقط إلى طموح المواطن، هذا فوق التصور والخيال، ما كان أحد يتخيل هذا الأمر لا بأي استنتاج ولا بأي توقعات، أن تتغير أوضاع الأمة الإسلامية بهذه السرعة وبهذا التحول ما كان هذا يُتصور ولا يُتخيل، ما حدث نقله هائلة كأنها نقلة من الظلام إلى النور، من الاستبداد وكبت الحريَّات، ومصادرة الدين وتعقبه في كل مكان إلى أمر آخر، فنتمنى أن يحكم الإسلام هذه الشعوب، وأن ينشر عدله في ربوع الأرض، ونسأل الله أن يَثْبُت هذا الأمر ويترسخ، وإلا فالأعداء المتربصون بالأمة كثيرون داخل الأمة وخارجها.
و قال أيضا: لا شك أن التغيرات التى حدثت فى تونس ومصر وليبيا وغيرها من البلدان أعطت مؤشرات أن الأمة مقبلة على مرحلة جيدة، فهذا بعثٌ جديد للأمة، ومرحلة جديدة لها إن شاء الله، الأمة كانت مستلبة وإذا أردنا أن نمثلها فهي كانت كطائرة مختطفة يتحكم فيها مجموعة من اللصوص، والآن عادت القيادة للأمة مرة ثانية ونسأل الله أن يستقر الأمر، فإذا حورب الفساد في الداخل، وحورب التدخل الأجنبي في الخارج فالمتصور إن شاء الله أن يكون هناك تمهيد لبعث إسلامي شامل وكامل في كل البلدان، ولعل هذا يكون تمهيدًا لوحدة واحدة، فما نراه من توسع للعمل الإسلامي والعاملين للإسلام على هذا النحو سيفرز بلا شك قاعدة من الشعوب المسلمة، وإذا وجدت هذه الشعوب المسلمة وجدت الحكومات الراشدة.
وعن دخول السلفيين فى السياسة قال الشيخ: بدايةً أقول إن الذي يُحرِّم العمل السياسي الإسلامي على أي فصيل إسلامي ليس لديه دليل من الكتاب أو السنة، بل الدليل على خلاف ذلك، معلوم أن أمور السياسة من أمور الحكم، والحكم من أصول الإسلام، فمن أصول الإسلام إقامة حكم راشد يحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويقيم العدل في الأرض، فالإسلام ليس عقيدة خاصة يعتقدها كل أحد بينه وبين ربه ولا علاقة له بالآخرين، هذه الأمة حُمِّلت أمانة، وهي حمل هذا الدين وتبليغه إلى الناس، ولا يمكن أن يعيش المسلمون إلا في إطار جماعة، ولذلك بعد أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم الأمة التأمت مباشرة واجتمعت على الصديق رضي الله عنه لدينها ودنياها، لدينها لتقوم بما أوجبه الله عليها من الجهاد في سبيله، ونشر هذا الدين وحمايته، ولدنياها لإصلاح مصالح العباد، الدين جاء لهذا، ولم يختلف أحد قط على هذه المبادئ، وهي أن الإسلام لابد فيه من نظام وحكم وقيام بأمر الله تبارك وتعالى.
فأن يقال الآن: السلفيون لا شأن لهم بالحكم ولا بسياسة الحكم، ويجب أن ينعزلوا في العبادات في الصلاة وفي الصيام وغيره، هذا إنكار معلوم من الدين بالضرورة، وإنكار لأصول الدين وشرائع الدين، كيف يترك المسلمون الحكم للادينيين والعلمانيين ، المسلمون مجمعون على أن الحاكم يجب أن يُقوَّم كما قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعم ما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلاً)، هذا أمر للمسلمين كلهم أن يضعوا أمانة الحكم في أهلها، ثم يقوموا مع هذا الحاكم على تطبيق أمر الله تبارك وتعالى بالعدل، قال تعالى: ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )، وإذا اختلفوا في أمر أن يردوا هذا الأمر إلى كلام الله وكلام رسوله، فالذي يقول المسلمين لا شأن لهم بهذا فيكون قد ضيع أكبر أمانة من أمانات الدين وهي أمانة الحكم، وهذه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنها من علامات الساعة: ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قيل يا رسول الله وما إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة )، فهؤلاء الذين يدعون السلفيين ألا يكون لهم شأن في الحكم، إنما يسندون الأمر إلى غير أهله، يسندون الأمر إلى الشيوعيين والاشتراكيين والعلمانيين والليبراليين وهم يقعدوا عندهم، فإسناد الأمر إلى غير أهله من أعظم الفساد وهو من علامات فساد الناس قبل قيام الساعة، أمَّا الذي يقول ما دخل السلفيين في هذا الأمر دعهم في أمور العبادة؛ لماذا؟ أليسوا بمسلمين يتحملوا أمانة الإسلام؟ أهو حق على كل أحد من ناصريين وشيوعيين واشتراكيين أن يمارسوا السياسة ولا ينكروا عليهم، وإذا دخل من يستظل بالمظلة الإسلامية يصبح حرام عليه وعيب عليه لماذا؟ إذا كان السلفيين لم يدخلوا في المعترك السياسي في نظام الحكم الاستبدادي فذلك لأن الباب كان مغلقًا، الحاكم مستبد يملك السلطة ويزيف إرادة الناس.
ووجه الشيخ رسالة للشعب المصري قائلا: أقول للشعب المصري أنت شعب عريق، شعب طيبة أصولك كريم نسبك، ينبغي أن تعي هذا وأن ترجع مرة ثانية إلى الاعتزاز بدينك وبوطنك وبأمتك، ولو أحسن المصريون ما أعطاهم الله ووهبهم إياه من خيرات يكونوا أفضل الناس وأغنى الناس وأحسن الناس لكن يحتاج هذا إلى من ينفخ في الشعب المصري هذه الروح يعني العزة من جديد ليست العزة الخاوية وإنما العزة بهذا الدين العزة أن يعتز بدينه يعتز بوطنه وأمته فهذا الذي نحتاج في الوقت الحاضر.
كما وجه رسالة لرئيس مصر القادم وقال: "كن رئيسًا لمصر كلها وليس رئيسًا للحزب أو الجماعة التي قدمتك واختارتك، ينبغي أن يكون لكل المصريين وأن يعمل للجميع وأن أهم شيء عليه أن يتخذ بطانة صالحة وأن يسعى ويتوج حياته بعمل صالح وخاصة أنه سيأتي بعد عصور طويلة لم يتمتع فيها المصريون باختيار رئيسهم وإنما الرئيس كان يأتيهم رغما عنهم، أنا لا أعرف في تاريخ مصر كلها منذ القدم إلى وقتنا هذا أن المصريين اجتمعوا ليرشحوا رئيسًا يكونون هم من انتخبوه، فليعلم أنه سيكون أول رئيس يأتي إلى مصر بانتخاب ويجب أن تكون فاتحة هذا الأمر خير.
والشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق بن السيد بن يوسف، ولد في 25 شعبان عام 1359هـ بمحافظة المنوفيَّة إحدى محافظات جمهوريَّة مصر العربيَّة، نشأ في أسرة معروفة بالصلاح والعلم، فقد جاهد والده وأخوه في فلسطين عام 1948م حيث قتل أخوه -نحسبه شهيدًا- على أرض فلسطين المباركة، هاجر والده مع أسرته في عام 1945م إلى المدينة المنورة.
حصل الشيخ على الثانويَّة من المدينة المنورة وأتم دراسته الجامعيَّة بها حيث تخرج في الجامعة الإسلاميَّة عام 1385هـ الموافق 1965م.
درس على يد الشيخ العلاَّمة/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز والشيخ العلاَّمة/ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-، والشيخ محمد عبد الوهاب البنا، والتقى الشيخ بالشيخ العلاَّمة/ محمد بن صالح العثيمين مرات وكان لدروسه وأشرطتة أثرًا كبيرًا على نفسه، ومن مشائخه أيضًا الشيخ/ عبد المحسن العباد، والشيخ/ محمد سليمان الأشقر.
من مؤلفاته: القضايا الكليَّة للإعتقاد في الكتاب والسُّنَّة، الأصول العلميَّة للدعوة السلفيَّة - الحد الفاصل بين الإيمان والكفر، الولاء والبراء، السلفيون والأئمة الأربعة، الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسُّنَّة، خطوط رئيسيَّة لبعث الأمة الإسلاميَّة، الشورى في ظل الحكم الإسلامي، وغيرها من المؤلفات |