الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى له الأمر كله وله الحمد كله وله الملك كله وإليه جل وعلا يرجع الأمر كله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا رب غيره ولا إله سواه يقدم من يشاء بفضله ويؤخر من يشاء بعدله ولا يسأله مخلوق عن علة فعله وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة فجعله ربه بفضل منه ورحمة خير أهل أرضه وسماواته اللهم صل وسلم وبارك وأنعم عليه اللهم وعلى آله الأخيار وأصحابه الأبرار المبلغين عن الله دينه والناشرين له كلماته اللهم وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين .... أما بعد أيها المؤمنون فاللهم هذا شهرنا قد ظهرت أنواره اللهم هذا شهرنا قد بدت بشائره وحل على الدنيا هلاله اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه واجعلنا اللهم فيه من عبادك المقبولين المخلصين برحمتك يا أرحم الراحمين .
أيها المؤمنون:
سلام من الرحمن نحو جنابكم*** فإن سلامي لا يليق ببابكم
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الأخوة المؤمنون قدمتم تتساءلون عن رمضان وعن حال المسلم فيه وماينبغي للمؤمن أن يكون عليه في نهار رمضان ولياليه وهل حال المسلمين في رمضان إلا قلوب خفاقة وعيون مهراقة وأنفس إلى لقاء ربها مشتاقة وهل حال المسلمين في رمضان إلا دعاء وصلاة وصدقات وزكاة وتسبيح وتهليل وذكر لربها ومناجاة وهل حال المؤمنين في رمضان إلا توبة واستغفار وتشبه بالأبرار واقتفاء لهدى ومنهج سيد الأخيار صلوات الله وسلامه عليه. في رمضان أيها المؤمنون أنزل الله القرآن ونصر نبيه صلى الله عليه وسلم يوم الفرقان. في رمضان أعز الله جنده وأنزل الله كتابه ونشر الله كلمته وأنزل الله فيه ليلة ولا كل الليالي كما أن رمضان شهر ولا كل الشهور.
أيها المؤمنون: للمؤمن مع رمضان أحوال متعددة تندرج من الأدنى إلى الأعلى: أول أحوال المؤمن مع رمضان: التذكر والتفكر في عظمة الخالق جل جلاله فكم مر على الناس قبلنا من شهور عديدة وأزمنة مديدة وقرون متعاقبة وأيام متواصلة منذ أن خلق الله آدم إلى اليوم وسيبقى الأمر كذلك إلى قيام الساعة سنن لا تتبدل وصبغة لا تتغير { سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } فسبحان من أحكم الصنعة وأبدع الخلق وخلق كل شيء فأحكم خلقته سبحان من يحكم مايشاء ويفعل مايريد سبحان من نعت نفسه العلية بقوله {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } وكم أحدثت عظمة الله في قلوب أصحابها من إقبال على الطاعات وإحجام عن المعاصي والسيئات وكم أحدثت عظمة الله في قلوب المؤمنين من إقبال عن الله وإعراض عما نهى عنه جل وعلا وكم أعقبت لهم عند ربهم من خاتمة حسنة ومرد غير مخزي ولا فاضح وبشرى من رب العالمين وأرحم الراحمين جل جلاله صح عنه صلى الله عليه وسلم كما عند ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مررت ليلة أسري بي بريح طيبة فقلت ماهذه الريح الطيبة ياجبريل ؟ فقال : هذه ريح ماشطة ابنة فرعون قلت وما ماشطة ابنة فرعون فقال : إن ماشطة ابنة فرعون كانت تمشط لابنة فرعون شعرها فسقط المشط من يديها فتناولته قائلة بسم الله فقالت لها ابنة فرعون هذا أبي قالت لا ولكنه ربي وربك ورب أبيك قالت أولك رب غير أبي قالت نعم ربي وربك الله قالت إذا أخبر أبي قالت أخبريه فلما أخبرت الفتاة أباها أحضر فرعون هذه المرأة بين يديه وسألها قائلا ألك رب غيري قالت نعم ربي وربك الله الذي في السماء فلما قالتها قال لها أمر أن يوقد لها....... أي إناء من نحاس فيه نار وأن تلقى فيه فقالت إن لي إليك حاجة قال وماهي قالت أن تجمع بيني وبين عظام أبنائي فقال هذا لك لما لك علينا من الحق فأخذ يقلي أبناءها واحدا بعد الآخر والمرأة صابرة محتسبة حتى بلغ الابن الأخير منهم فقال يا أماه اصبري فإنك على الحق " وما أقبلت تلك المرأة الصالحة على هذا العمل وأمثاله من الصالحات إلا لما استقر في قلبها من عظمة الجبار جل جلاله وما استقر في قلبها من ملكوت وتنزيه الجبار جل جلاله عما لا يليق به فسبحان من أحسن كل شيء خلقه وبدا خلق الإنسان من طين فأول أحوال المؤمن في رمضان أن يتذكر في مرور الليالي ووالأيام وتقلب الدهور والأعوام الخالق الباري الذي خلق هذا الخلق وسيره كيفما يشاء لا يعزب عنه فيه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .أما ثاني أحوال المؤمنين في رمضان: فإنهم ما إن يبدوا هلاله إلا وهم ينظرون إليه كما نظر إليه من قبل سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم فيقولون كما أثر عنه " ربنا وربك الله اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام " فإذا ذكروا ذلك خافوا على أنفسهم أن لا يوفقوا في هذا الشهر إلى عمل صالح خافوا على أنفسهم أن يغتنمهم الأجل قبل أن يتموا صيام شهرهم خافوا على أنفسهم أن يردوا على أعقابهم بعد إذ هداهم الله خافوا على أنفسهم أن يكون حظهم من صيامهم النصب والتعب خافوا على أنفسهم أن لا تقبل لهم طاعة ولا يرفع لهم كلمة طيبة ولا عمل صالح فلجأوا إلى رب العالمين جل جلاله لجأوا إلى من فرج عن موسى وهارون وأنجى ذا النون أن يوفقهم إلى الأعمال الصالحة برحمة منه وفضل وأن يتقبلها منهم برحمة منه وفضل{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} إن العبد إذا فر عن الله وأعرض عن ذكره فقد أوكل نفسه إلى هواها وأوكل نفسه إلى ذاته الضعيفة وأوكلها إلى من لا حول له ولا طول ولا قوة ولكن اللبيب العاقل إذا فر من الله فر إليه ولا ملجأ من الله إلا إليه وما رمضان إلا مظهر ظاهر ومعلم بين من مظاهر رحمات ربنا جل جلاله بعباده فالله تبارك وتعالى خلق الرحمة وجعلها مائة جزء جزءا واحدا منها يتراحم به الخلق حتى إن الدابة لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه من تلك الرحمة وأبقى جل جلاله تسعا وتسعين جزءا ادخرها تبارك وتعالى لعباده يوم القضاء والفصل وكما قلنا سلفا إن رمضان مافيه من نفحات إلهية و مافيه من رحمات ربانية مظهر من مظاهر رحمة الله جل وعلا بعباده .
ألا وإن من أحوال المسلمين في رمضان: أن يعلموا أن الصوم أبين خصاله وأهم مايمكن أن يقدم عليه المؤمن من عمل خاص في رمضان والصوم أيها المؤمنون من أجل القربات ومن أعظم الطاعات فقد صام نبينا صلى الله عليه وسلم قبل أن يفرض عليه صيام رمضان وجاء في الآثار الصحيحة أن موسى عليه الصلاة والسلام لما واعده ربه أربعين ليلة صام تلك الأيام حتى يتهيأ للقاء الله تبارك وتعالى وصام أنبياء الله من قبل كما صام المسلمون الحنفاء من قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ولقد نادانا ربنا في القرآن نداء كرامة لا نداء علامة فقال جل جلاله{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }فأوجب الله جل جلاله على المؤمنين صيام هذا الشهر وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه " وفي الصحيحين عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال قال الله تعالى " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " "والصوم جنة فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يفسق فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم للصائم فرحتان يفرحهما يفرح بفطره إذا أفطر ويفرح بصومه إذا لقي ربه " وفي رواية لمسلم " كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " وفئام من الناس اليوم عفا الله عنا وعنهم لم ينظروا إلى رمضان إلا أنه تغيير في البرنامج اليومي وتبديل في البرنامج الزمني فيقضون نهار رمضان في سحابة نوم متواصل ويقضون ليله والعياذ بالله في لهو وعبث متواصل ويظنون بذلك أنهم قد أدوا ماعليهم وأنهم صاموا وأين هم من آثار وهدي سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه لقد كان نبينا ....... العشرين الأول من رمضان مابين صوم ونوم أي في الليل ويتفرغ صلوات الله وسلامه عليه في العشر الأواخر للصيام في النهار والعبادة والقيام والذكر والتهليل والدعاء والمناجاة والتسبيح في الليل والمقصود من ذلك أن يعلم المؤمن أن رمضان أيها المؤمنون باب عظيم من أبواب الجنة وطريق بين إلى رضوان رب العالمين جل جلاله وإن من رحمت الله بك أيها الأخ المؤمن وأيتها الأخت المؤمنة أن يبلغك الله شهرا كرمضان وانظر إلى من هم اليوم تحت الثرى وفي طيات المقابر كيف لا يستطيعون أن يخرجوا منها أبدا ولا أن يقدموا لأنفسهم عملا صالح لا في رمضان ولا في غيره وأنت ربك قد اصطفاك وبلغك رمضان وأرشدك إلى معالم الحق وبين لك مواطن الطاعة وبين لك مواطن المعصية بين لك مواطن الطاعة لتأتيها وبين لك مواطن المعصية لتحجم عنها { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } وهذا أمر بين وجلي واضح .
ولكن ينقص الناس اليوم أمران : الأول:اليقين بلقاء الله تبارك وتعالى وإنه إذا رزق العبد اليقين بلقاء الله جل وعلا هانت عليه الأعمال وسهل عليه طاعة ربه جل جلاله كان أبو حازم من السلف يمر في السوق على الجزارين فيقولون له هلم لتشتري اللحم يا أبا حازم فيقول لا أملك دنانير ولا دراهم فيقولون نصبر عليك فيقول إن كانت المسألة مسألة صبر فأنا أصبر حتى أدخل الجنة يقينا بلقاء الله تبارك وتعالى فالله جل جلاله خاطب سيد الأبرار صلى الله عليه وسلم بقوله { قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}والله جل جلاله يقول حتى يورث في قلوب المؤمنين اليقين بلقائه{ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) } فإذا وقر في القلوب هذا سهلت الطاعات سهل إتيان المساجد سهل القيام بين يدي الله سهل الصبر على النصب والتعب والعطش وما يكون من وراء الصيام من جهد ومشقة.
والذي ينقص الناس ثانيا: الهمة العالية والعزيمة على العمل الصالح الرشيد فإن انتشار العلم اليوم قد بين للناس كثيرا من أمور دينهم ولكن كما أثبتنا ينقص الناس اليوم الهمة والعزيمة على طاعة الله جل وعلا والإنسان إذا كان عالي الهمة ينظر وراء الأفاق ينظر فيما وراء الغيب يطمع فيما عند الله لا ينظر إلى الدنيا ولذاتها ولا إلى الشهوات التي ستنتهي فإن الدنيا بأسرها نعمة زائلة وزهرة حالة لا محالة صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان في غزاة له فأطعمه أعرابي وأكرمه فقال له عليه الصلاة والسلام:"اعهدنا وأتنا" يريد أن يكافئه على صنيعه فحدث أن جاء ذلك الأعرابي إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم فقال له صلوات الله وسلامه عليه:" سلني حاجتك فقال يارسول الله ناقة وأعنز يحلبها أهلي فقال عليه الصلاة والسلام:" عجز هذا الرجل أن يكون كعجوز بني إسرائيل قالوا يارسول الله وما عجوز بني إسرائيل فقال صلى الله عليه وسلم إن الله لما أمر موسى أن يسري بقومه ليلا ضل الطريق فقال ما هذا فقال له الملأ من بني إسرائيل العلماء منهم إن يوسف عليه السلام قد أخذ علينا العهد والميثاق أن إذا رحلنا عن أرض مصر أن نأخذ عظامه معنا فقال ومن يدلني على قبر يوسف قالوا لا يعلم قبر يوسف إلا عجوز منا فلما قدمت بين يدي موسى قال دليني على قبر يوسف قالت لا أدلك عليه حتى تؤتيني حكمي قالت وما حكمك قالت أن أكون مرافقتك في الجنة فكأن موسى استثقل هذا فلما أصرت عليه قال لها ذاك لك ودلته على قبر يوسف وموضع الشاهد منه أن هذه المرأة لم تطلب أمرا دنيويا ولا منصبا تتفاخر به على غيرها من النساء ولا زينة مما يتحلى به النساء عادة ولكنه كان جل همها وتفكيرها وعزيمتها وجهدها منصب على أن تنال حظا أخرويا من الله تبارك وتعالى وقد حدثت لها هذه الفرصة ونظير هذا ما أخرجه مسلم في الصحيح من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله تعالى عنه أنه كان يخدم رسولنا صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم من باب المكافئ يا ربيعة سلني حاجتك قال يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك قال هو ذاك يارسول الله فقال له عليه الصلاة والسلام فأعني على نفسك بكثرة السجود والمقصود من هذين الشاهدين أن المؤمن ينبغي عليه أن يكون ذا نظرة أخروية يفكر ويؤمل فيما عند الله أما متاع الدنيا فإن حدث بلا جهد ولا مشقة فلا حرج ولا ظير ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء أما أن يكون الدين هو الضريبة لنيل المتاع الدنيوي فلا وألف لا لأن الدنيا ستفنى وما عند الله أيها المؤمنون خير وأبقى وقد تواتر عن سلف الأمة ما يدل على أنهم كانوا ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله جل وعلا فقد جاء رجل إلى عبيدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أخو عبدالله بن عباس وكان من أشد الناس سخاء فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه على أنها قليلة فسمع به رجل آخر فقدم المدينة وكان عبيدالله جالسا وهذا السائل مايدري أن هذا هو عبيدالله فسأله فأعطاه ألفي دينار واعتذر إليه فقال له الرجل إن كنت أنت عبيدالله بن عباس فأنت اليوم خير منك أمس وإن لم تكن أنت عبيدالله بن عباس فوالله إنك لخير منه ولم يكن عبيدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما ينشد من هذا الرجل مدحا ولا ذما ولكننا سقنا هذا الأثر للدلالة على أي نفس كانت لديهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ورحمهم وغفر لهم وألحقنا بهم في الصالحين في قضية إعطاء أهل المسكنة والفقراء.
أيها المؤمنون كذلك من أحوال المسلمين في رمضان: ذكر ربهم تبارك وتعالى ولا ريب أن ذكر الله أنس السرائر وحياة الضمائر وأقوى الذخائر على الإطلاق يقول جل جلاله { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } وإن الإنسان لا يلهج بذكر أحد إلا إذا بلغت محبته في القلب محبة عظيمة فمن كان يحب الله حبا يليق بجلال الله جل وعلا وعظمته ولا يقدم على حب الله حب أحد كان طبعيا وبدهيا أن يلهج لسانه بذكره ولكن المغرقين في الشهوات والعاكفين أمام شاشات التلفاز والمستمعين إلى ما حرم الله هؤلاء غالبا ليس في قلوبهم إلا ما يبتغيه الشيطان ويريده أصحاب الفجور ويرتضيه أهل الهوى فلذلك من البدهي أن يقل على ألسنتهم ذكر الله تبارك وتعالى فالذي ينبغي أن يحرص عليه المؤمن في المقام الأول أن يجنب نفسه المواطن والمنازل والأماكن التي تلهي عن الله لأنها إن ألهت عن الله ألهت عن ذكره وينبغي عليه أن يحرص على أن يرتاد الأماكن التي فيها إيحاء لذكر الله كالمساجد والصلوات وحلقات العلم ومواطن المحاضرات والجلساء الصالحين فإن تلك المواطن مما تعين المرء على ذكر ربه.
أما كيف يذكر المؤمن ربه؟ فإن قراءة القرآن ذكر والصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم ذكر وتهليل الله وتسبيحه وحمده والثناء عليه ودعاءه نوع من الذكر وأعظم الذكر على الإطلاق قول لا إله إلا الله لما في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه:" أن موسى سأل ربه قال يارب قل لي كلمة أدعوك وأذكرك بها فأوحى الله إليه ياموسى قل لا إله إلا الله قال يارب كل عبادك يقولون هذا فأوحى الله إليه ياموسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله" كما أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أحب الكلام إلى الله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" وجاء في فضل سبحان الله وبحمد سبحان الله العظيم ما جاء من الفضل وهذا أمر مشتهر ظاهر بين منتشر بين الناس ولكن كما قلنا في الأول ينقص الناس العزيمة والأوبة والبذل لذكر الله تبارك وتعالى ولهج هذا اللسان بذكره فقد أوصى نبينا صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه بقوله " لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله تبارك وتعالى "
ينبغي أن نقول في خاتمة محاضرتنا هذه: أن في شهر رمضان تجدد كثير من المسؤوليات تجدد مسؤولية الأب المسلم مع أبناءه في أن يدلهم على الخير ويحثهم على مواطن الرشاد ولا يكن هم الرجل المؤمن أن يتخلص من أبناءه بحجة أنه يريد أن يتفرغ للعبادة بل إنه ينبغي عليه أن يعلم أبناءه بنين وبنات مالي هذا الشهر من مكانة في الدين كما يتجدد في شهر رمضان مسؤولية المرأة المسلمة فإن المرأة المسلمة من الواضح الجلي في هذا العصر أنها أصبحت مرمى وهدفا ظاهرا بينا لأعداء الملة ودعاة الفجور وأرباب الهوى وما تبثه القنوات الفضائية عبر الأفلام والأغاني والبرامج في كثير منها لا يختلف عليه اثنان في أن المراد منه إخراج المرأة المسلمة العفيفة من خدرها وجعلها كنساء الغرب الذين لا يرقبون في الله إلا ولا ذمة ولا ريب أن هذا الهدف هدف خطير والتصدي له ليس واجب الدولة فقط وليس واجب الولاة أو العلماء فقط ولكنه واجب الجميع كل بحسبه ونبينا صلى الله عليه وسلم كان شفيقا حادبا على الأمة كما هو معلوم ولذلك نقل عنه في الصحيح صلوات الله وسلامه عليه:" أنه استيقظ ذات ليلة فقال يا سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وما فتح من الخزائن أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم" ثم قال:" أيقظوا صواحب الحجرات ـ أي النساء ـ فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة" ومايرتديه النساء من ألبسة اليوم حذر منه صلى الله عليه وسلم بقوله " صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات عليهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " فهذان الأثران عن المعصوم صلى الله عليه وسلم موعظة وتبليغ وذكرى لنساء المؤمنين وأمهاتنا وأخواتنا وبناتنا وزوجاتنا في أن يتقين الله تبارك وتعالى في السر والعلن وأن يخشينه في الغيب والشهادة وأن يعلمن أن ماطولب به الرجال من الطاعات الأصل أن النساء مطالبين به إلا أن يستثني ذلك دليل فكون المرأة تخرج إلى الصلاة غير متطيبة ولا متزينة متبرجة هذا أمر حسن محمود قال صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " ويلعب الرجل المؤمن الحصيف العاقل دورا كبيرا في هذا الأمر فإذا كان الرجل كلما دخل البيت أو غدا سأل عن الطعام وسأل عن الأثاث وسأل عن تغيير الفرش وسأل عن ماشابه ذلك انشغلت المرأة بذلك حتى ترضى زوجها ولكن إذا كان الرجل إذا دخل لا يسألها إلا عن الأبناء صلوا أولم يصلوا صاموا أو لم يصوموا سألها عن البنات كم قرأنا من القرآن كم حفظنا من الأحاديث انصرف جهده المرأة إلى رعاية أبنائها وبناتها وفهمت أيضا أن المراد بها نفسها وهذا أمر ينبغي أن يحرص الناس عن طريق الكلمة الطيبة والنصيحة السديدة والتآلف والتآخي بأن نسد جميعا تلك الثغرة التي يريد أعداء الإسلام أن يجعلوها ظاهرة بينة في الأمة وأن يصلوا من خلالها إلى هدم القيم والمبادئ والأخلاق نسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ورحمته التي وسعت كل شيء أن يبلغنا رمضان ويعيننا على صيامه وقيامه اللهم إننا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت لك الحمد في الأولى والآخرة أنت الله لا إله إلا أنت لا تدركك الأبصار ولا تحيط بك الظنون ولا تراك في الدنيا العيون نسألك اللهم ربنا بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تبلغنا رمضان وأن تعيننا على صيامه وقيامه وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد."
المصدر : شريط حالنا في رمضان .
تم بحمد الله وتوفيقه سائلين المولى عز وجل الإخلاص والقبول |